رشاد أبو شاور .. "لا أحد يحيا لنفسه كما يشاء"
لأول مرة تخذلني الكلمات في التعبير فأعجز عن البوح بما ألم بي وآلمني، لأول وهلة أشعر أن ما سأكتبه لن يرقى إلى مقام الفقدان للصديق والكاتب والروائي والمناضل رشاد أبو شاور(1942-2024)،الذي أستدلُ ببوصلته في تحديد المواقف مما يحدث حولنا في الساحات السياسية والثقافية، لكني استعرت عبارة وردت في مرثية الشاعر محمود درويش (1941-2008) للكاتب الشهيد غسان كنفاني ( 1936-1972) "لا أحد يحيا لنفسه كما يشاء"، وقد ذكرها أبو شاور في افتتاح دورة المجلس الفلسطيني في دمشق عام 1979 بمناسبة ذكرى انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، حين قدّم الشاعر محمود درويش، بهذه الكلمات التي وردت في المرثية أيضا "لم يقل أحد أن الفلسطينيين لا يرحمون أدباءهم. سأقول: إن الفلسطينيين لا يرحمون أدباءهم. ذلك من فرط إيمانهم بفاعلية الأدب الذي قدم لهم، ومنهم، تعويضًا عن مهانات، عندما فقدوا كل شيء، ولم يملكوا إلا كلمات. وذلك لأنه استمد منهم القوة ليؤسس لهم العلاقة. نادرًا ما يسطو الوطن، كما يسطو على أدب الفلسطينيين، ولذلك، يدرك الفلسطينيون، وبحق، أنهم هم الذين خلقوا أدباءهم.. ولذلك أيضًا يطالبونهم دائمًا بالمواطنية المثالية وبالطاعة الفولاذية، ولا يسمحون لهم أن يكونوا أقل من جنود أو قديسين. ومن هذه العلاقة الصارمة، من هذه المُطالبة التي تشمل كل شيء يجد الأديب الفلسطيني نفسه (يسرق) حرفة الأدب سرّاً. وفي النهار عليه أن يمارس أشكالاً أخرى للتعبير عن التزامه بسلطة الوطن!"
في الافتتاحية ذاتها قال درويش "والآن، أكتب إليك دون أن أخشى يد كمال ناصر التي خطفت رثائي لك. وقال مازحاً: لا تنشرْ هذا الكلام عن غسان كنفاني. هذا الكلام يليق بي ... وسأُقتل قريباً.كان يمزح؟ نعم. ولكنه انفجر أيضاً. لا أحد يحيا لنفسه كما يشاء". وبالفعل استشهد القائد والشاعر كمال ناصر (1926-1973) في بيروت، بعد عام من استشهاد غسان.
تعرفتُ على رشاد أبو شاور في عمَّان في ربيع 2010، حدد لنا مكان اللقاء عند "كشك أبو علي" المعلم الثقافي الواقع في شارع فيصل، وقد عرّفني على الكشك وصاحبه، وبعد ذلك توجهنا إلى مكتبة دار الشروق والتقينا بصاحب الدار الكاتب فتحي البس، الذي أهداني سيرته الذاتية في إصدار (انثيال الذاكرة)، السيرة التي تقاطعت بعض أحداثها في بيروت وتحديدا في الجامعة الأمريكية مع مذكرات الكاتب اللبناني كمال الصليبي (1929-2011) الصادرة أيضا عن دار الشروق. تكررت اللقاءات بعد ذلك مع الأستاذ رشاد كلما نزلت بعمّان أتواصل معه ويهديني آخر اصداراته، مرة واحدة ذهبت إلى عمّان ولم التقي به فاستوحشت المكان، وحين سألته عن أخباره رد علي بعد أيام عبر (الماسنجر) "صباح الورد يا محمد، عدتُ منذ أسبوعين تقريبا بعد ان تنقلت بين النمسا وألمانيا والسويد، التقيت بأهلي الفلسطينيين المشردين، أشكر اتصالك. وممتن لكل كلمة قلتها عني وآمل أن أكون جديرا بها".
إذا كانت كلمات الثناء والتشجيع في المجال الأدبي تعني شيئا، فإن الكلمات التي كتبها عني أبو شاور في الصفحة الثقافية لصحيفة (القدس العربي: 2011) تعني لي شهادة بحد ذاتها، فقد كتب عن مجموعتي القصصية (بذور البوار،الفرقد،2010) "محمد الشحري، كاتب عماني شاب، صدرت له في العام 2010 مجموعة قصصية بعنوان (بذور البوار)، وأنا أقرأ له للمرة الأولى، ولعلها أيضا المرة الأولى التي أقرأ فيها نصوصا نثرية عُمانية، وهذا يعود ليس إلى تقصير منّي، ولكن إلى أسباب خارجة عن قدراتي، فأنا أتلهف دائما على قراءة نصوص نثرية من البلدان العربيّة التي لم أطلع على كتابات مبدعيها، ولكن حظّي مع الشعر أفضل، فقد قرأت أعمالاً شعرية عُمانية، وتعرّفت بشعراء من عُمان.. في مجموعته القصصية الأولى يقدّم محمد الشحري نفسه كاتبا موهوبا، و..صاحب موقف، ويبشّر بقاص قادم".
رحل رشاد أبو شاور في ظروف استثنائية تشهدها المنطقة من قصف للجيش الصهيوني لشعبنا الفلسطيني في غزة وشعبنا اللبناني في الجنوب والضاحية، في محاولة لكسر حلف الصمود والتصدي، ولكن مقاومة المحتل ستستمر سنة أو مئة عام ولنا في الثورة الجزائرية خير مثال. من الصدف الغريبة أن يرحل رشاد أبو شاور يوم 28 سبتمبر، وهو التاريخ الذي يصادف رحيل الزعيم جمال عبد الناصر (1918-1970)، واستشهاد القائد والمناضل اللبناني حسن نصر الله (1960-2024)، رحم الله الشهداء والمناضلين والمجد والخلود لذكراهم.