دعي هذا الصَّليب يتدلَّى على الليالي
(1)
يُقتَل الفلسطينيُّون في كل يوم دفاعا عن الحق (أقصد: حقّنا نحن في أن نكون أمواتا).
(2)
وا أسفاه: حتَّى التراجيديا صارت من أمشاج الضَّجر (بمعنى «الضَّجر» في الفلسفة الوجوديَّة: ennui).
(3)
لا أنام، ولا أصحو (ولا أقصد بالضبط أن هذه مشكلة الجسد، ولا أعني أن هذا من تباريح اللغة).
(4)
الحب برهانٌ جريح مؤسَّس على ما قبله، وعلى انتظارٍ طويل.
(5)
في البحر سقطت النُّجوم على حصير مهترئ تقاسمنا فوقه حشرات أليفة، وطفا القمر، كما يفعل رغيفٌ هاربٌ، على شرشفٍ متآكل تحت ندى ليالي الصَّيف الرَّطبة.
أسلافي هناك لا يزالون يسيرون في الليل ماء وبردا، صيفا، نهارا في الجوع، شتاء، كرماء في الشَّظف، أسخياء في السَّمك المُجَفِّف والرُّز الأبيض والليمون والسَّمن، وبرزخا في المسجد بين النَّدم والصلاة، لكن بشرط ألا أظهر في القصيدة.
تقريبا، أنا لست آسفا جدَّا.
(6)
الجندي الوحيد الذي رجع من الحرب لم يَعُد، في الحقيقة. لكنه ألَّف رواية لن يقرأها أحد غيره، في الحقيقة، أيضا.
(7)
لا تتدخل أبدا في ما يعنيك (المقصود: فلتسكن في الأرض مع خلق الله خلسة، ولا تبكِ أمام الفواجع، وتسلَّل إلى مِجز الصُّغرى، واذهب إلى الكتابة، في المدلهمَّات والمُقمرات كما يفعل اللصوص في النُّصوص).
(8)
أن تكون شاعرا فهذا أسوأ الاحتياطات، وكل ما عدا ذلك مُخاتَلَة.
(9)
مَثَلُ نخلة لن تُحَمَّضْ.
(10)
كم نحبُّه هذا الذي لا نعرفه (حين أتى)، كم نحبُّه حين لن يعرفنا (إذ يعود).
(11)
في تلك البلاد كانوا يقودون السيَّارات الاقتصاديّة والفارهة، ويخونون زوجاتهم، ويتمشون بحبورٍ في المجمَّعات التجاريَّة، ويلتقون في المقاهي حيث ينشغل كل منهم بشاشة هاتفه المحمول، ويعبدون الثَّعابين والملِك، ويقيمون الصلوات، ويتصدَّقون على الفقراء والمساكين.
ولا يزالون كذلك، في تلك البلاد.
(12)
أكتشف الآن أنه لم يكن بيني وبينكِ أي سوء فهم، أو عسر تفهُّم. لم تكن بيننا طائرة ولا بطَّانيَّة. ما حدث، في الحقيقة، هو أننا أدركنا بعضنا أكثر مما يحتمل الأمر (ثم تظاهرنا بالحُبِّ في بقية المخاتلات، وليس في حُسن الفهم أو سوئه). لا السُّوء، ولا الحُسن، ولا انهماكات الفَرَاشات، والبرقوق، ولا الشَّمعة التي رقصت على آخر قنِّينة نبيذ على الأرض، سمحت لنا بغير هذا.
(13)
نتائج الحروب الثوريَّة (المنتصرة، أو الخاسرة، أو تلك التي ظفرت بالحسنيين معا) تختلف تماما عن المآلات الثوريَّة.
«النتائج» تخصُّ المؤرِّخين، أما «المآلات» فتتعلق بالتَّاريخ الذي هو دوما في طور الكتابة («إن التاريخ يَحْدُث»، فيفيَن سوبتشاك ).
(14)
يقتلوننا بالتَّناوب، ونحن شركاؤهم في التثاؤب.
(15)
في الصَّخرة نَتَجَشُّم العاصفة.
(16)
أنغمس في الَّلذات الصغيرة، وأنوء بالجبل.
(17)
لسنا أمام هذا الخيار كي يترجرج البُنْدُق والياسمين.
(18)
هذا اليوم بحاجة ماسَّة إلى قليل من التَّنفُّس الطَّبيعي (دعه يمضي يتنفَّسُ ماسَّا وهادئا، وعليك أيضا أن تشهق وتزفر بماءٍ أزرق، وصاخب).
هذا اليوم يأتي في فعل المُضارِع المستمر منذ الأمس.
هذا اليوم جديدٌ، يومٌ آخر، فحسب.
(19)
«يا الله! ابتسامات كبيرة يا شباب! 1، 2، 3»! ثم خرَّ الأموات من الصُّورة.
(20)
كلُّهم ينفعونك في الهشيم.
(21)
الموتُ من غير ندم (كان غودار قد سَخَرَ من شكسبير هكذا: «أن نكون أو لا نكون، هذه ليست مسألة»)!
(22)
عند المقصلة، مرتَدِين الهدايا.
(23)
ارتطام الموجة بالصَّرخة ميلادٌ للزَّمن.
(24)
يريد الميِّت أن يغلق عيني السَّمكة.
(25)
لا أحد هنا كي تهاجر إلى هناك.
(26)
الوقت أصغر من البداية.
(27)
في كشوف الماء، بعيدا عن كل هذا.
(28)
غيمةٌ أخرى على حافة التَّابوت ذات هداة في يوم من أيام موسم الخريف في ظفار.
(29)
سُقْمُهم المبتدأ، غِيلَتُهم السُّوس والتَّمر والصَّلوات في الجِراب.
(30)
قضيتُ كل هذا اليوم بلا سنَّارة.
(31)
ليس أزرق، ليس أخضر، ليس بنيَّا، ليس أبيض، ليس أسود، لون البحر عند الغروب.
(32)
أكتب أحيانا في فترات النَّقاهة. لا تثقوا بالنَّقاهة، ولا بما أكتب في النَّقاهة.
(33)
أتجرَّع كل هذا الهواء (لا طريقة أخرى لديَّ للتَّعبير عن الخوف).
(34)
الحنان: أعمق تعريف لما يحدث في القنوط.
(35)
نحن الذين جئنا من القُرى لا تعجبنا القُرى (ولذلك فإننا سنغادر المدينة الملعونة إلى قريةٍ مستحيلة).
(36)
الانتحار ليس من اختراعات الرأس، بل من شغف القدمين.
(37)
على المرء أن يأكل ثلاث وجبات رئيسة في اليوم. وعلى المرء أن ينام لمدة تتراوح من سبع إلى ثماني ساعات يوميا (هه)! وحريٌّ بالمرء، كذلك، أن يتناول المكسَّرات من مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم على الأقل، وأن يتناول من خمس إلى سبع حصص من الخضار والفواكه. ويجب على المرء، أيضا، أن يتريَّض لمدة تتراوح بين أربعين دقيقة إلى ساعة ثلاث أو أربع مرَّات أسبوعيَّا في الأقل. وينبغي من المرء، كذلك، أن يمارس التَّنفس العميق وممارسة بعض التمارين الهوائيَّة والاسترخائيَّة لحوالي ساعة يوميا في الأقل، كما أنه من باب تحصيل الحاصل أن عليه قراءة الصُّحف اليوميَّة ومشاهدة القنوات الفضائيَّة كي يعرف ما تيسر من أخبار العالم، وعلى المرء أن يستقبل الضيوف راغبا أو مكرَها، ويضطر لقبول بعض الدعوات، كما على المرء أن...
يا الله: إذن، متى سيموت المرء؟
(38)
دعي هذا الصَّليب يتدلَّى على الليالي.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني