خيال الخيال واقع
إن كنا إلى الآن نرتطم لؤلئك من لا يؤمنون بقوة الخيال، ويجردون وسائل التعليم والآداب والفنون منها، رغم الكلاسيكيات والقصص المتوارثة التي تثبت قوته في التحقق، فنحن بحاجة إلى تقنيات أخرى بعيدة عن تلك التجارب التي يظنها البعض أسطورية، تقنية نحو الداخل العميق جدا لكل فرد ليرى بنفسه مصير تلك الأخيلة التي حدثت سابقا، ليعرف بنفسه أن التمادي في الخيال هو خطوة لصنع الواقع، فذلك الخيال البعيد يعتبر خيالا، أم الخيال الذي يسبقه فهو واقع لا محالة.
فتخيّل معي..
إن ذلك الخيال ليس محض أفكار عابرة، بل هو نتاج تفاعل ما بين الذكريات والأمنيات والمشاعر النفسية المكبوتة بينها وبين الواقع، لينتج عنها سلسلة من الخيالات الحرة، فمدى وعينا بالمحيط الواقعي الخارجي، وتفاعلنا مع مؤثراته يكون هو المحفز الأكبر لتوليد خيالات جديدة، والتي أثبتت قوتها على مر العصور قوتها نحو التحقق ورسم الطريق.
فإن كانت خطوتك الدؤوبة هي من توصلك نحو الطريق للهدف، فإن الخيال هو من يرسم ذلك الطريق، لذا فإن الخيال بقوته يكون صاحب القدرة الأعلى على تحقيق الأهداف والوصول إليها، بحيث تتناسب كيمياء تلك الخيالات مع كيمياء دواخلك لتنسجم مع الواقع المنتظر تحقيقه.
وتلك الأخيلة المبعثرة التي تتوافد على ذهنك تكون أول ذي بدء قريبة من واقعك، فكما يقول الكاتب المفكر السعيد عبدالغني في كتابه مرايا الفلسفة: " الواقع حلم مشترك"، إلى أن يبدأ بالتفكير والتخيل التباعدي، وذلك عبر رحلة حرة عبر تيار الفكرة، ورغم أهمية عنصر الحرية في توليد تلك الخيالات، إلا أن تركيزها نحو طريق معين ولأهداف محددة يكون ذات تأثير مضاعف، ولا يكون ذلك التركيز إلا عبر توجيه الانتباه، وإلغاء كل المشتتات الأخرى، فمجالات تركيزك للخيالات هي حياتك القادمة، فكما يقول ألبرت أينشتاين: " الخيال هو معاينة لحياتك القادمة"، ويقول أورتيجا جاسيت: " أخبرني إلى ماذا تنتبه، أخبرك من أنت".
في مرحلة التركيز أنت الآن في رحلة إطلاق للأفكار والأخيلة، ويكمن سر تلك الخيالات المميزة من عبورها لمحطات عديدة تبنى خلالها وتطور، وتخضع لما تخضع له عمليات التفكير من تباعد حر وتفكير متقارب مركز، وهنا يستفيق السؤال: متى تكون تلك الخيالات أكثر أصالة وقوة وتأثيرا؟، هل عندما تكون متحررة غير مستندة على معرفة ومعلومات مسبقة؟، وهنا لأنها لا زالت بصفاء فكري، فإنها ستكون أكثر جدة وتميزا، أو تلك الخيالات التي تتكئ على معارف نظرية، تعين صاحبها وتنقله من مرحلة الصفر، ليصل إلى آخر ما توصل له العلماء، فيبني عليها معارف أكثر، ولعل البت واليقين والمفاضلة بين الأمرين ليس بالأمر السليم منطقيا، فأجد أن مرحلة التخيل ستكون في أوج تجلياتها الصورية العميقة، في أن تكون في مرحلة ما قبل المعرفة، ومن ثم تبنى بالمعرفة لتتبعه خيالات تضيف علة المعرفة السابقة التراكمية وتثريها.
فتخيل معي..