حرية الرأي المسؤولة والواجب العام
تابعت لقاء معالي وزير الإعلام في برنامج «معالي الوزير» في المنصة الإعلامية أثير على «اليوتيوب». ومنذ ذلك اللقاء إلى الآن عبّرت وعبرت كلمات كثيرة الشاشات والصحف، فماذا سنضيف إلى ساحة تفاعل الرأي العام، وقد مضى على اللقاء أسبوع. لربما لن نضيف شيئا إلى أصحاب الآراء التي ركزت على لفظة «التغريد» وتعاملت مع المقابلة بانتقائية «ويل للمصلين»، أو «الذين يحرفون الكلم عن مواضعه» فهؤلاء كان الأجدر بهم التعامل مع حوار الوزير بالفعل لا القول، بمعنى أن يكتبوا ويعبروا عن آرائهم بكل مسؤولية ويرسلونها إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التي تشرف عليها وزارة الإعلام، وإذا لم تتسع الوسائل المذكورة لآرائهم أو وعيهم الناقد، فليعبروا عن ذلك في حساباتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، التي وصفها معالي الوزير «بالفرصة» التي لا تمثل تحديا لوسائل الإعلام الرسمية.
يمكننا القول إن التجاوب مع دعوة معالي الوزير على تقديم الأفكار البناءة، تُبنى على فكرة التخلي عن سياسة (الكل أو لا شيء) وهي النصيحة التي قدمها الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة (1903-2000) للفلسطينيين في خطاب أريحا مارس 1963، حين دعاهم إلى القبول بقرار التقسيم، ومن ثم التفاوض على الجزء المتبقي، ومما قاله بورقيبة: «إن الإكثار من الكلام الحماسي أمر سهل وبسيط للغاية أما ما هو أصعب، وأهم فهو الصدق في القول والإخلاص في العمل» وقد قوبل الخطاب الذي سبق النكسة بسنتين بالاستهجان والتنديد والرفض، وتخوين الحبيب بورقيبة. هنا علينا اتباع نظرية بورقيبة في استغلال المتاح من المساحات في وسائل الإعلام، والمطالبة بالمزيد من الحقوق.
إن التفكير النقدي لا يهبط مباشرة من السماء، بل يتعزز وفق ظروف مهيأة تبدأ في الأسرة وتنتهي في المنابر الإعلامية والرسمية، ويصقل بالحوار والنقاش في المدارس والجامعات والمجالس الاجتماعية، ومنصات التواصل الاجتماعي، لهذا فإنا نأمل من معالي وزير الإعلام بما أنه تحدث عن «تعزيز القدرات النقدية لدى الأفراد»، أن يوجه بتخصيص برامج حوارية في التلفزيون والإذاعة والصحافة حول العديد من الموضوعات التي تهم الرأي العام المجتمع العُماني، تُفتتح بمناقشة حرية الرأي والتعبير، المنصوص عليها في المادة (35) من النظام الأساسي للدولة التي على أن «حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون».. وأن يكون النقاش بهدف تطوير وتعديل القوانين والأنظمة المُنظمة للعمل الإعلامي والحريات الإعلامية. وكذلك حوارات مفتوحة بين المواطن والمسؤول، وخلق شراكة متينة بين أصحاب المصلحة للتكامل في مسيرة البناء والنهوض بالوطن.
يهمنا جميعا أن تتقدم سلطنة عُمان في مؤشرات الحرية التي تصدرها المنظمات الدولية وفي مؤشرات حقوق الإنسان، نقول ذلك ونحن نشهد خطوات مهمة في انضمام السلطنة إلى العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مثل الانضمام إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والموافقة على الانضمام إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وأيضا إعادة تنظيم اللجنة العمانية لحقوق الإنسان.
إن هذه الإجراءات المتخذة من قبل سلطنة عُمان تبشر بتطوير القوانين المعنية بحق الرأي والتعبير، وأيضا حق الحصول على المعلومة وتداولها. إذ إن تحسين الأطر القانونية لا يخدم المواطن بقدر ما يعزز من ترسيخ الحوكمة والشفافية وحماية المال العام، واستقلال السلطات، وتجذر مفهوم دولة المؤسسات والقانون.