جيل سعيد ومجتمع منتج
يمثل الثراء المادي أحد أكبر الأهداف التي يضعها البعض منا، إيمانا بأن المال من الممكن أن يحقق السعادة، التي هي المطلب الرئيس للإنسان منذ بدء الخليقة، وقد وضعت الكثير -في الواقع- من الدراسات على مر السنون لدراسة علاقة المال بالثراء، وأغلب هذه الدراسات أظهرت وجود علاقة من نوع ما، فالوضع المالي الجيد لا شك أنه يخفف من الضغوطات اليومية الناتجة عن توفير لقمة العيش للفرد ومن يعيل، وترفع مستوى الرضا عنده، لكن أن تكون سببا مباشرا للسعادة فهذا أمر مازال يثير الجدل.
مؤخرا قام الدكتور جان إيمانويل دي نيف والبرفيسور اندرو اسوالد من خلال دراستهما لبيانات الصحة في الولايات المتحدة وهي أكبر عينة من البيانات جمعت الأشخاص حول تأثير الإيجابية، ومستوى الرضا، والدخل عليهم، وجد الباحثان أنه خلافا للمفهوم السائد عن علاقة المال بالسعادة، فإن الأية مقلوبة بمعنى أن ارتفاع الرضا والسعادة في مرحلة الشباب تؤدي إلى ارتفاع دخل الأفراد، وأن ارتفاع معدل الرضا بدرجة واحدة في مقياس من واحد إلى خمسة في سن العشرين يعني ارتفاع الدخل بمعدل ألفي دولار أمريكي بعد سبع سنوات.
حيث وجد الباحثان أن الأشخاص الإيجابيين أكثر احتمالية لإكمال تعليمهم والحصول على شهادة، بالتالي الحصول على وظيفة وبالتالي الترقيات مقارنة بغيرهم، ولعل هذا من الأسباب التي أدت إلى ظهور اهتمام واسع في العقود الأخيرة بالصحة النفسية للأفراد، من خلال مجموعة من الحركات والمبادرات مثل التوازن بين البيت والعمل، التي تتيح للأفراد قضاء وقت أطول مع ذويهم، وفي بناء علاقات تثري حياتهم، وممارسة هواياتهم المفضلة التي تعتبر متنفسا من ضغوطات الحياة.
ولعل التعديل الذي أجري في أوقات العمل مؤخرا في بعض الدول يصب في هذا الهدف، فسعي الإنسان إلى رفع الإنتاجية، وسباقه المحموم من أجل تعظيم الأرباح جاء على حساب صحته الجسدية والنفسية على حد سواء، وعلى استقرار الأسرة الذي أدى إلى ظهور جيل مشوش، غير مستقر، وهو ما جعل بعض الدول تغير حتى من مناهجها الدراسية القائمة على المتطلبات الصعبة من واجبات مدرسية، وامتحانات وما شابه، إلى أنظمة تعزز الفروقات الذاتية، وتتيح مجالا أوسع للطالب في تنمية المهارات الأقرب له، من باب جيل سعيد يعني جيلا منتجا ومواطنا فاعلا.