ثقافة القتل.. وحرب الوجود

09 أكتوبر 2024
09 أكتوبر 2024

كلما أطلقت إسرائيل رصاصة على فلسطيني، خلتُها الرصاصة الأخيرة، ولكن شلال الدم لا ينتهي، و«دراكولا» الذي نراه فـي الأفلام لا يرتوي من دم ضحاياه، يقتلهم شر قتلة، ويمتص دماءهم، ولا يجد الضحايا إلا الفرار أمامه، إنها «ثقافة الموت» الذي ينتهجها الإسرائيليون، يقتلون أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لأجل اصطياد طائر جريح، يهدمون المنازل على رؤوس أصحابها، ويصورون قتلاهم وهم يتفاخرون بأشلائهم، ينتهكون عرض السجناء ويرتكبون أبشع الجرائم، والعالم كله يتفرج، ويكتفـي بالنداءات والتنديدات، بل ويدين الضحية أحيانا، فأي عالم أعمى هذا الذي يصفق للقتل، ويشجع القاتل، بامتناعه عن إدانته؟

فعلها الأمريكان فـي سجن «أبو غريب» العراقي، كان عملا ممنهجا، مر بسلام، وها هم الإسرائيليون يفعلونها فـي سجون فلسطين، وكل شيء يمر دون عقاب، إنه «الإذلال النفسي» الذي تستخدمه الجيوش، لكي تنال من أقصى نقطة فـي عمق الشخصية الوطنية، فعلها الألمان فـي الحرب العالمية الثانية، وكذلك الصرب فـي البوسنة، وفعلتها معظم الجيوش فـي معاركها لكي تمعن فـي الإذلال، وها هم الإسرائيليون يفعلون ما تعلموه، إنهم يمثلون دور الضحية التاريخية، ويتباهون بالقتل، والدمار، إنهم ينتقمون من كل من أذلهم على مر التاريخ، وكل من حرّقهم، وأبادهم، إنهم ينتقمون من النازيين، ولكنهم -فـي كل أحوالهم- ينتقمون من الأشخاص الخطأ، الأشخاص الذين تعايشوا معهم -كمواطنين- طيلة سنين فـي فلسطين -طبعا غير اليهود المهاجرين والمهجرين- غير أن هؤلاء اليهود يريدون دائما كل شيء، الأرض والسلام والتفوق، ولذلك تظل الشخصية اليهودية -مهما تعاطف معها الإعلام الغربي فـي الظاهر- شخصية مكروهة غربيا، وغير قابلة للتعايش، والتاريخ يشهد على روح الكراهية لليهود التي يحاول الغرب تخفـيف حدتها، والتي ابتدعوا لها ما يسمى بقوانين «معاداة السامية» للحد من كره مواطنيهم لهذا العرق المندس بينهم، والذي لا يؤمن جانبه.

لقد تم طرد اليهود على مر التاريخ من أراضي أوروبا (إنجلترا، إسبانيا، ألمانيا، روسيا، المجر، فرنسا، وغيرها)، وتم التنكيل بهم فـي كل مكان لجأوا إليه، لأن الروح القومية الغربية الكارهة لليهود، والتي يحاول البعض إخفاءها، كامنة فـي نزعته الداخلية، فالطبع اليهودي الطامع فـي كل شيء، والغادر، والباحث عن موطئ قدم له فـي أرض ما، ولو كان فـي جهنم، لا يؤمن جانبه، ولذلك كانت فلسطين أرضا مخلصة لهم، مستندين على المقولة السياسية: «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، وهي القشة التي تعلق بها اليهود، وعلقوا آمالهم عليها، حتى أهداها لهم الإنجليز بتواطؤ غربي وعربي، وما زالوا يكذبون ويصدقون الكذبة التاريخية التي رسخت فـي أذهانهم كحقيقة ثابتة، بها يقاتلون، وبها يقتلون، تساندهم أوروبا والولايات المتحدة، ودول أخرى، دون خجل، أو تأنيب ضمير، إنهم يحاولون التكفـير عن «ذنوب هتلر»، ولكنهم يرتكبون فـي ذات الوقت، جرائم أفظع مما ارتكبها النازيون، والغريب أن عقيدة «الإحلال» والإبادة العرقية تتشارك بها الولايات المتحدة، التي أبادت الهنود الحمر، وأحلت مكانهم الرجل الأبيض، وكذلك دول أوربية أخرى والتي مارست نفس السياسة فـي أستراليا مثلا، وجنوب أفريقيا، ودول كثيرة حول العالم، حيث تم تهميش السكان الأصليين، وإحلال عرق آخر مكانهم، وهذا ما هو حاصل حاليا فـي فلسطين، ولذلك سيستمر الصراع التاريخي والوجودي الإسلامي ـ اليهودي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مهما حاول البعض «تدجين» القضية، وإفراغها من محتواها من خلال عمليات التطبيع والسلام الزائفـين.

مسعود الحمداني كاتب وشاعر عماني