تبسيط أم تعقيد الإجراءات
لست بالشخص الملامس أو المستفيد من كثير من الخدمات التي تقدمها الحكومة لشرائح المجتمع أو المستثمرين والتجار وغيرها من المصالح، فلا أنا برجل الأعمال ولا التاجر ولا ممن يحتاج لكثير من الخدمات الحكومية الإلكترونية، غير أن موقفا أو اثنين اضطراني إلى تجربة بعض الخدمات الإلكترونية التي قامت بعض الوزارات الخدمية بترقيتها من خدمات تقليدية –إن صحت تسميتها– إلى خدمات رقمية إلكترونية وأضافت تلك الخدمات كرصيد يحسب لتحولها الرقمي الممنهج الهادف إلى تحقيق "رؤية عمان 2040". سأبدأ في سرد مناقب الخدمات التي حازت على رضا المتعاملين والمستفيدين لأعرج بعدها على الخدمات التي لم تستطع ملامسة سقف التوقعات المرسومة لها رغما عن الجهود المبذولة لرقمنتها وتسهيلها وتبسيط إجراءاتها.
خدمات وزارة العمل المتعلقة بتصاريح العمل وتجديدها والتي قمت بتجربتها شخصيا يمكن أن تحوز على نسبة عالية من الرضا، كذلك الخدمات الإلكترونية التي تقدمها شرطة عمان السلطانية كالتأشيرات والمرور والجمارك هي أيضا حازت على نسبة عالية من الرضا بسبب سهولة استخدامها ويسر الحصول عليها وإنجازها شخصيا من دون تدخل طرف ثالث أو الحاجة إلى إرشادات للاستخدام، وأيضا الخدمات الإلكترونية لمركز القبول الموحد التي أوجدت منصة رقمية تعمل بكفاءة عالية في تنظيم وترتيب قبول الطلبة في مؤسسات التعليم العالي، كذلك خدمات وزارة الصحة في تطبيق شفاء لتسهيل وصول المواطنين إلى معلوماتهم الصحية وأيضا خدمة التسجيل الذاتي لفحص اللياقة الطبية للوافدين. هذا فضلا عن تطبيق "انتخب" من وزارة الداخلية الذي حصل على إشادات عالمية وإقليمية في إدارته لعمليات التصويت في الانتخابات بشكل رقمي سلس وسهل يمكن لأي مواطن استخدامه. وأيضا أنظمة صندوق الحماية الاجتماعية المتطورة التي تقوم بجمع البيانات آليا دون الحاجة إلى كم الأوراق والبيانات الشخصية التي تطلبها بعض الجهات الحكومية.
على الجانب الآخر، هنالك بعض الخدمات التي لم "تهندس" إجراءاتها الإلكترونية بشكل صحيح فجاءت مسخا بين التقليدي والحديث فهي خدمة إلكترونية يتم التقديم لها عبر بوابات الوزارات الإلكترونية لكنها في الواقع هي عبارة عن أوراق وقوائم يتم نسخها ومسحها ضوئيا لتتلاءم مع الأنظمة الإلكترونية الحديثة، أو أن الرسوم المحصلة للاستفادة من تلك الخدمات قد ارتفعت أسعارها بسبب رقمنتها والاستعانة بطرف ثالث لتقديمها وإتمامها بدلا من طرفين (المستفيد ومقدم الخدمة) وهذا ما لم يحقق الاستفادة الحقيقية من رقمنة وتسهيل تلك الخدمات الحكومية الإلكترونية.
من خلال تجربتي الشخصية في التعامل مع الخدمات المرقمنة في وزارة الإسكان والتخطيط العمراني والتي أسند بعضها إلى بريد عمان أو إلى مكاتب الاستشارات الهندسية يتضح أن تلك الخدمات ما هي إلا مجرد تقديم أوراق يتم نسخها وتحويلها إلكترونيا لتذهب بعدها إلى الوزارة لتتم دراستها والرد عليها من دون أن يستطيع المواطن أو المراجع متابعة طلبه أو الاستفسار عن الخدمة التي تقدم بها، إضافة إلى ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة بسبب وجود طرف ثالث. خدمة أخرى قمت بتجربتها بوزارة الخارجية وهي التصديق على عقود العمل التي كانت تتطلب ختم الوزارة مع مطابقة الأصل والصورة ولم تكن هذه الخدمة تكلف إلا عشرة ريالات فقط، وبعد رقمنة هذه الخدمة وإحالتها إلى بريد عمان ارتفع سعر الخدمة إلى ضعف المبلغ ليصل إلى عشرين ريالا مع ضرورة متابعة مكاتب بريد عمان للحصول على الموافقة والمصادقة على الوثيقة.
خدمات أخرى من جهات خدمية لم تراوح مكانها أبدا خصوصا تلك المتعلقة بالبلديات في المحافظات المختلفة وبلدية مسقط حيث لا تزال أبسط خدماتها المتمثلة في التصديق على عقود الإيجار بحاجة إلى زيارات متكررة لمكاتب سند.
تبسيط الإجراءات لا يتماشى مع السرعة المطلوبة في إنجاز المعاملات رغما عن برنامج التحول الرقمي ومختبرات "منجم" الذي تشرف عليه وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات واستحداث جائزة الإجادة الرقمية إلا أن كل هذه الجهود لم تستطع تحريك دوران عجلة التحول التقني وتبسيط الإجراءات بالسرعات المطلوبة كما حددتها أهداف التنمية بل إن تلك العمليات تمشي بوتيرة بطيئة وتحتاج إلى تسريع في الإجراءات قبل أن تداهمنا التقنية بشيء جديد يتطلب منا تبسيط ما هو مبسط أصلا.
•عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»