بشفافية: نتفاعل مع الحدث وننسى !
دائما ما يتفاعل المجتمع مع الأحداث ـ وقتيا ـ، ومع مرور الأيام تنحسر الاهتمامات وتتراجع بشكل كبير لدرجة النسيان، حتى أصبحت عبارة ( كمين يوم وينسوا ) متكررة وواقعية في كثير من الجوانب، فهل أصبحنا بالفعل ننسى بسرعة؟ أم أننا نهمل الاهتمام بالشيء وتنحصر طموحاتنا لتكون ـ وقتية ـ ولا نواصل حث الخطى حتى يتحقق الهدف الذي نطمح إليه؟
مع بداية جائحة كورونا كوفيدـ19، تفاعلت أوساط المجتمع مع تبلور أفكار إبداعية ابتكارية طموحة من شباب ومؤسسات، بعضها في تصنيع معقمات وبعضها في اختراع آلات تعقيم وذهب آخرون لصناعة الكمامات، فيما كان هناك توجه صريح لـ (الاستيراد المباشر) إضافة إلى أفكار كثيرة ومشروعات عديدة لم تر النور، و سرعان ما ذابت هذه الإبداعات والطموحات مع الوقت، فبعد مرور أكثر من عام ونصف على الجائحة لم تعد تلك الهبة الواسعة والتفاعل الكبير بنفس التألق، واختفت الكثير من المشروعات والابتكارات التي كانت طور التواجد على أرض الواقع.
ومن تجارب كثيرة للتفاعل (الوقتي) نجد الواقع أننا نتحدث عن غرق بعض الطرقات بمياه الأمطار في ـ الحالات الجوية (فقط)، وبعد أن تجف المياه بالشفط والتبخر بأشعة الشمس ننسى بشكل تام أهمية وجود معالجة حقيقية ونهائية لغرق بعض الطرق وتجمع المياه فيها بشكل كبير أثناء الأمطار.
وفي فصل الخريف في محافظة ظفار يكثر الحديث عن الترويج السياحي للمحافظة وعدم وجود خدمات سياحية بالشكل المناسب وغيرها من الجوانب، ومرة أخرى يمر الخريف ويأتي الربيع ويتأجل الحديث عن كل ما نتمناه إلى الخريف القادم وهكذا خريف يأتي وخريف يذهب ونحن على نفس المطالب طموحاتنا لا تتجاوز توافر (دورات مياه )!.
ومن الممكن أيضا أن نتفاعل مع المدرسة والمدارس قريبا أو مع بداية العام الدراسي، وبعد أسبوع أيضا ننسى كل ما نحن بحاجة إليها في مدارسنا خدمة لأبنائنا الطلبة، ونعود لنناقشه في العام القادم، ففي كثير من الأحيان لا تتحقق الأمنيات، خصوصا أن المدارس لا يمكن أن يزورها أحد حتى ولي الأمر إذا ذهب لزيارة ابنه أو ابنته لن تتجاوز زيارته عتبة مكاتب الإدارة بالمدرسة، وما ينقله الأبناء عن الفصول ونظافة دورات المياه فيها، لا نعرف مدى صدقه إذا ما لم نشاهده بأم العين.
النسيان في هذه الجوانب موزع بين المجتمع والمؤسسات، فمن جانب يقل تفاعل المجتمع لمناقشة ضرورة إيجاد حلول جذرية لمواضيع تفاعل معها، ومن جانب آخر لا تعمل بعض الجهات على دراسة هذه الجوانب بالشكل المطلوب ووضع الحلول ليلمسها المجتمع متحققة على الواقع.
وبالعودة إلى الابتكار والتصنيع والاستيراد المباشر واستغلال عقول المبدعين من الشباب لإخراج ما في عقولهم من مشروعات وأفكار ابتكاريه لتكون ملموسة على أرض الواقع، نجد أن المحاولات في هذا الجانب خجولة جدا، وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة نظر بشكل جاد لدعم العقول الشابة والمبدعة والمهتمة بالابتكار وتسخير الإمكانيات المادية والمكانية لهم واحتضانهم بطريقة حقيقية ووضعهم محل اهتمام خاص من قبل المؤسسات المعنية.
أما فيما يتعلق بالاستيراد المباشر عبر موانئ السلطنة المفتوحة على أهم قارات العالم، فهذا الموضوع بحاجة إلى دراسة متعمقة وجادة للاستغلال موقع السلطنة الاستراتيجي بالشكل الذي يتناسب مع حقيقة موقع السلطنة في خارطة العالم، والتغني بالموقع الاستراتيجي لا يكفي، فهذا الموقع بحاجة إلى استغلال بالشكل الأمثل، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا توقف الاستيراد المباشر أو خفّ عن ذروته التي كانت مع بداية الجائحة؟
وبين كل هذه التجارب نجد أنفسنا أمام ضرورة مواصلة التفاعل مع المواضيع المهمة، وتمديد النقاش فيها ووضع الحلول لها بالشكل المطلوب وعدم تناسيها بمرور الأيام، فهذه الجوانب مهمة لتطوير البلاد والنهوض بمقوماتها الفكرية والابتكارية والبشرية، ومقوماتها السياحية وموقعها الاستراتيجي المهم.
وإذا كان المجتمع يناقش ويتفاعل وقتيا مع الأحداث والمواضيع فإن على الجهات المعنية في مختلف الجوانب التي يتم نقاشها أن تتابع هذه المواضيع بشكل مكثف ودائم حتى يتم بالفعل وضع النقاط على الحروف وتحقيق كل ما يصبو إليه المجتمع وما يصبو إليه الجميع لرفعة البلاد واستغلال مواردها وإمكانياتها بحيث تكون رافدا في النمو والتنمية والتقدم.
عمان تستحق منا جميعا أن نخدمها ونبني الأسس لنهوضها بكل المجالات، والنقاش والتفاعل مع كل ما من شأنه تقدمها يأتي في إطار الحرص على تقدم البلاد، فالعقول والإبداع والابتكار كل ذلك يسهم في نهضة البلاد وتقدمها، وكذلك الحفاظ على راحة الأبناء في المدارس يدخل في هذا الإطار الذي ينمي العقول، أما الموقع الاستراتيجي للسلطنة فقد حان وقت الاستفادة منه، وإن تأخرنا كثيرا ولكن علينا العمل من أجل تحقيق المزيد.