بشفافية : ترسيخ القيم والاعتزاز بالهوية
مرت ذكرى حادثة الإسراء والمعراج كغيرها من المناسبات، دون أي استغلال للحديث والتمعن في هذه المناسبة الشريفة واستخلاص الدروس والعبر والاستفادة منها كغيرها من المناسبات الإسلامية ذات الأثر العظيم في مسيرة الإسلام وسيرة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم.
وعندما تتزايد أهمية تربية الأبناء وضرورة الاهتمام بهم وصقل الأجيال وتعزيز روح الإسلام في نفوسهم نجد أننا نفرط في مثل هذه المناسبات لتمر دون أن تقام لها محاضرات أو ندوات أو حلقات للذكر يتم فيها شرح تفاصيل هذه الحادثة، وهنا يأتي الدور على أئمة المساجد والجوامع وإداراتها والمجالس العامة وأصحابها في ضرورة إيجاد برنامج زمني يتم فيه الاستعداد لإقامة المحاضرات وبرامج للحديث عن مثل هذه الجوانب المهمة لتدخل في تعليم الأجيال والأبناء، وترسخ تعاليم دينهم وقيمه السمحة.
على مدى سنوات عديدة كانت المجالس أو ما يطلق عليها محليًا (السبل) وهي جمع سبلة وهو المكان الذي يتجمع فيه الناس بالمناسبات أو في الأوقات العادية، للالتقاء والحديث فيما بينهم وتداول شؤون الحياة والأخبار وغيرها من الجوانب، كانت لهذه المجالس دور كبير في تربية الأجيال، وتنشئتهم تنشئة صالحة وغرس القيم الحميدة والعادات والتقاليد العمانية الأصيلة، بداية من كيفية الجلوس في حضرة الكبار والحديث وانتقاء الكلمات، والكرم والاحترام وحتى كيفية الاستقبال والوداع، هذه الجوانب كلها كانت السبلة تمارس فيها أدوارا تربوية بطابع خاص يمتاز بالتلقائية في غرس القيم الحميدة دون التكلف الذي يتخذ طابع التلقين، واليوم من الضروري أن تعود السبلة لتمارس دورها وتفتح أبوابها ليس فقط في الأعراس وعقد القران و مجالس العزاء، بل عودتها أصبحت مهمةً خصوصًا في ظل تداعيات الحياة وتغير أساليبها وظهور العديد من العادات الدخيلة على المجتمع.
وبما أن المجالس العامة موجودة اليوم في الكثير من المواقع والمناطق السكنية، أصبح من الضروري تفعيلها لتعود إلى ممارسة دورها المهم في عقد اللقاءات بين السكان وأبناء المجتمع لعدة أسباب ومن بينها تربية الأجيال والحوار بين الأشخاص ومعرفة أحوال بعضهم البعض، وعقد حلقات من الذكر والتدارس خصوصًا في مثل هذه المناسبات كذكرى حادثة الإسراء والمعراج وغيرها من الحوادث سواء على المستوى الديني أو التاريخي وحتى في شؤون البلاد وتاريخ عمان وأبطالها وشخوصها لغرس حب الوطن في نفوس الأبناء وتربيتهم على الاعتزاز بهويتهم ووطنهم.
إن كل هذه القيم لها تأثيرها على الفرد وخصوصًا الأجيال من الشباب وصغار السن، وفي ظل ما يحيط بالمجتمع من مؤثرات كثيرة خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءًا من ثقافة الأطفال والشباب وموجه لسلوكهم وأفعالهم وتصرفاتهم، حتى أصبح الكثيرون يقلدون شخصيات مؤثرة في أوساط التواصل الاجتماعي أو ما يسمى (المشاهير)، لذا فإن كل هذه المعطيات تحثنا على أن نعود إلى الكثير من المفاهيم والعادات والتقاليد الحسنة التي اندثرت بفعل المتغيرات الحياتية، ولكن عودتها أصبحت ملحة مع ضرورة التكاتف في هذا الشأن من قبل الجهات المعنية، وعلى سبيل المثال تقوم وزارة الداخلية بحث الولاة والشيوخ في الولايات والمناطق على تفعيل دور السبلة وعقد اللقاءات فيها، وعلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية حث أئمة المساجد على تفعيل دور المسجد في عقد حلقات والحديث عن المناسبات الدينية الخالدة كحادثة الإسراء والمعراج على سبيل المثال، كذلك هناك دور على وزارة التنمية الاجتماعية في الحث على أهمية التواصل المجتمعي بين أبناء المجتمع وغرس روح التعاون والتقارب بينهم، وعندما يكون العمل بهذا التكاتف الشامل سوف يحقق أهدافه المرجوة التي تهدف إلى غرس القيم الحميدة بين أفراد المجتمع واستغلال المناسبات الدينية والاجتماعية في تعزيز مفهوم الاعتزاز بالدين الحنيف وغرس مفهوم الوطنية وحب الوطن، التأكيد على أننا مجتمع له جذوره في الأصالة والقيم الحميدة المستمدة من ديننا الحنيف وتاريخنا العماني العريق المعروف بأصالته وعراقته.
لقد كان للهوية العمانية ولا يزال رونقها المميز، وتفاصيلها الأصيلة التي يجب الحفاظ عليها والاعتزاز بها ومنع اندثارها والعمل على تجسيد أننا أمة متمسكة بثوابت تستمدها من تعاليم دينها الحنيف وإرث مجتمع أصيل وتاريخها العريق وحاضرها المشرق، ونهضتها المتجددة التي نستلهم منها معاني الاعتزاز والرسوخ.