انحياز علم الاقتصاد!
هل يمكن أن تكون العلوم الإنسانية منحازة؟ هل لنا أن نتخيل أن بعض العلوم الإنسانية وعلى رأسها علم الاقتصاد ـ ربماـ منحازة؟ هذا ما يقوله العديد من علماء الاقتصاد حول علم الاقتصاد الحديث، فيرى العالم الاقتصادي «فالنتين كاتاسونوف» أن علم الاقتصاد لا يعمل من أجل بلوغ الحقيقة بقدر ما يعمل من أجل الدفاع عن مصالح الممول الرئيسي له وهو «الرأسمالي مالي»، وأن ما يدعى علم الاقتصاد حسب «كتاسونوف» ليس سوى علم خاضع لرقابة صارمة من بعض المتنفذين الماليين.
ويقول هؤلاء العلماء إن تمويل أقسام الاقتصاد في الجامعات، والتمويل السخي لأبحاث ودراسات أساتذتها وطلبتها هو المتحكم في نتائج الدراسات التي توضع على الطاولة ويتم الأخذ بها، وأن الممولين الرئيسيين كانوا من ملاك البنوك الكبيرة، وأصحاب المال، لذا أصبحت الكتب والمناهج يختلط فيها العلم بالأيديولوجيا بشكل عجيب في علم الاقتصاد خصوصا، والعلوم الإنسانية والاجتماعية عموما.
يقول الكاتب «لحلو بوخاري»: إنه مثلما حدث عند التقاء القرنين الـ19 والـ20، حين ظهرت مجموعة من علماء الاقتصاد في جامعة شيكاغو بتمويل من آل روكفلر وآل مورجان وغيرهم من حقائب المال، وعرفت بـ«مدرسة شيكاغو»، فحسب تقديرات بعض المؤلفين قامت «وول ستريت» باستثمار مليارات الدولارات في مدرسة شيكاغو، وذلك بهدف دفعها لأن تصبح ما بات يعرف اليوم بـ«mainstream» أي التيار المهيمن أو السائد، أو المذهب الوحيد الصحيح في علم الاقتصاد.
ويكمل: فعلى سبيل المثال جاء حوالي نصف تمويل معهد الأبحاث المرموق للمكتب الوطني للدراسات الاقتصادية من الشريحة العليا لقائمة «فورتشن» بأغنى 500 شركة، وتركت نتيجة اتصاله عن قرب بالمجتمع الأكاديمي، تأثيرا بالغ الأهمية على طرق التفكير السائدة في أقسام علم الاقتصاد وكليات الأعمال في جامعات البحث الرئيسة في الولايات المتحدة.
ولمعرفة مدى وعمق تأثير شركات فورتشن 500، ففي عام 2020 مثّلت شركات فورتشن 500 ما يقرب من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بإيرادات تقارب 14.2 تريليون دولار و1.2 تريليون دولار في الأرباح و20.4 تريليون دولار من إجمالي القيمة السوقية.
وتمثل أرقام الإيرادات هذه ما يقرب من 18٪ من إجمالي الناتج العالمي، وتوظف الشركات مجتمعة ما مجموعه 29.2 مليون شخص في جميع أنحاء العالم أو ما يقرب من 0.4٪ من إجمالي سكان العالم.
عليه فإن التعامل مع علم الاقتصاد بأنه علم محض وموضوعي هو محض قصور، فقد اختلطت أيدلوجيا الآخرين بالعلم في مناهج قد نراها علمية موضوعية.
لذا من المهم جدا ألا نكون مجرد متلقين للوصفات الجاهزة على مائدة اقتصاديين يسبحون في هذا التيار، أو مراكزهم البحثية في الاقتصاد والعلوم الإنسانية، بل أن نملك كباحثين التفكير العلمي الناقد، الذي يعتمد على أبحاث ودراسات نقوم بها باستقلالية في جامعاتنا ومراكز أبحاثنا، وخاصة ماله علاقة بقضايانا الاقتصادية المهمة.