«الهم الإنساني والابتزاز الصهيوني»
عام 2017، شاركت عدة دور مصرية بكتب لم تكن تجلبها إلى معرض مسقط الدولي للكتاب من قبل؛ وكانت الهيئة المصرية العامة للكتاب إحدى هذه الدور المميزة والتي انضوى تحتها المجلس الأعلى للثقافة ببعض الإصدارات القيِّمة وهذا أحدها، أي «الهم الإنساني والابتزاز الصهيوني» وهي مجموعة نماذج ومقالات من أعمال أنطوان تشيخوف وفيودور دويستويفكسي وإيفان تورجنيف وأخيرا الشاعر والروائي اليهودي بوريس باسترناك، بترجمة وتقديم د.أشرف الصبَّاغ.
والأعمال على التوالي هي؛ «كمان روتشيلد» قصة لتشيخوف، مقالتان نقديتان الأولى ليفيم ايتكيند بعنوان «إيفانوف وروتشيلد»، والثانية «كمان روتشيلد لأنطون تشيخوف: الارتباط بتقاليد الكلاسيكية الروسية» ب.أريومين وكلتا المقالتين النقديتين عن عمل تشيخوف كما هو بيِّن، ثم مقالة للروائي الروسي العظيم دويستويفسكي بعنوان «المسألة اليهودية»، تتبعها قصة لتورجنيف بعنوان «اليهودي»، وأخيرا مقالة للباحث الأدبي الأمريكي ج.جيبيان بعنوان «ليونيد باسترناك وبوريس باسترناك: جدال الأب والابن».
يبتدئ د.أشرف الصبَّاغ وهو أديب وصحفي مصري له إنتاج ثقافي أدبي غزير يتنوع بين الرواية والقصة والترجمات الأدبية والنقدية، يبتدئ كتابه المترجم بمقدمة إضافية تعطي القارئ لمحة شاملة وغنية عن الكتاب الذي سيقرأه ويمضي رحلته فيه. وكنت أنوي أن تكون هذه المقالة عن الكتاب مباشرة، لكنني وجدت بعض الملاحظات والوقفات التي تستدعي وقوفا على النص وهو ما لا يمكن عمله بحال في مقالة من ألف كلمة، لذلك ستتكون هذه المقالة عن الكتاب من جزأين.
أولا وقبل كل شيء، ينبغي أن نقرأ هذا الكتاب بعيوننا لا بعيون المترجم المبدع حتى وإن اتفقنا معه في كثير من الأشياء التي يذكرها أو النتائج التي يتوصل إليها ويستخلصها في المحصلة النهائية للعمل، كما ينبغي أن ندرك تاريخ كتابة هذه الأعمال، وأنها أعمال أدبية متفاوتة من ناحية المدة الزمنية لحياة المؤلف، أو لعمله الثقافي حتى.
خصوصا إذا علمنا أن الفجوة الزمنية بين تورجينيف - وهو أقدم المؤلفين الذين ذكرت من ناحية وقت الميلاد 1818م- وبين جورج جيبيان الذي توفي في نهايات القرن المنصرم 1999م تحديدا. كما أن الأحداث التي شهدتها روسيا القيصرية منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى سقوطها وقيام الثورة البلشفية، وما صاحب ذلك من أفكار متطرفة ومعاداة لليهود، كلها أمور ينبغي أن نأخذها في الحسبان ونحن نقرأ هذا الكتاب. فمن مبادئ الصهيونية وأركانها الوثيقة؛ إنها قائمة على الكذب والكذب الصُّراح. فمقولة الشعب اليهودي والجنس اليهودي وغيرها من العبارات التي تصور اليهود كلا لا يتجزأ، ووحدة واحدة سواء أكان اليهودي في الشرق أم الغرب. لذلك ينبغي أنْ نتذكر أنَّ لليهودي الروسي في تلك الفترة ملامح عامة يمكن دراستها اجتماعيا باعتبارهم مجتمعا مغلقا، ولكن لا يمكن تعميم هذه الدراسة على يهود العالم الذين لهم انتماءاتهم العرقية والسياسية والاجتماعية . فكما هو معلوم أن اليهود في العالم الإسلامي خاصة كانوا يعيشون في حالة طبيعية من الانسجام المجتمعي ولم يكونوا معزولين عن المجتمع كما هو الحال في أوروبا ومجتمع الجيتوهات المنغلق.
لذلك فإن الملمح العام لهذا الكتاب، هو تناول «بعض مظاهر الشخصية اليهودية في الأدب الروسي» كما كُتِبَ في ظهر الكتاب، ولكنني أرجع وأقول بأن على القارئ الحصيف أن يتذكر أنه أمام عدو صهيوني لا يهودي، وأن تهويد الاحتلال وبالتالي معاملة كل ما له علاقة باليهود من فكر وأدب ومعرفة كمعاملة الصهيونية، هو ذاته ما تريده وتحلم به الحركة الصهيونية وتدعو إليه دوما. ينبغي على الإنسان أن يعرف نفسه وعدوه وصديقه، خصوصا في أوقات الاضطراب والقلق الهائل كما هو الحال اليوم، وكما هو معلوم أيضا فإن هنالك من اليهود الأحرار ممن يناوئ العدو الصهيوني، فينبغي التعاون مع هذه الفئة من اليهود في دحر العدو الصهيوني، الذي لا يستبعد أن يلبس الثياب العربية ويتحدث اللغة العربية في يوم ما..
سنتناول بالتفصيل في الجزء الثاني من هذه المقالة بعض المواضع التي يحسُن إلقاء الضوء عليها والوقوف عندها من هذا الكتاب الشيق، وهو محاولة ضمن محاولات لفهم العدو الصهيوني عن قرب لتفكيكه والعمل على مواطن ضعفه.