المرأة العربية وتحديات التتويج

09 سبتمبر 2024
09 سبتمبر 2024

وددت لو كتبتُ هذا المقال حينما تُوجت البطلة الجزائرية إيمان خليف بالميدالية الذهبية في أولمبياد باريس الماضي، وما تعرضت له من تنمّر وحملات تشويه من قبل شخصيات مشهورة، وحتى من نساء كان الأولى بهن الوقوف مع ابنة جنسهن التي واجهت عدة عراقيل اجتماعية وإدارية حتى تنال رغبتها في الصعود على منصة التتويج، لكننا نعيش منذ السابع من أكتوبر الماضي لحظات سقوط الأقنعة وبروز حقيقة الوجوه التي ادعت يومًا أنها تدافع عن الحريات وحقوق الإنسان. فقد رأينا أن المؤسسات الغربية وبعض الشخصيات السياسية لا تقيم وزنًا لحياة الإنسان ولا لكرامته ما لم تتقاطع مصالحها السياسية والأيديولوجية والاقتصادية معها، وإلا فكيف يمكننا تفسير الصمت الدولي تجاه ما يحدث في غزة من قتل ممنهج للإنسانية وقتل الطفولة والمدنيين في قطاع غزة؟

لكن في هذه الأمة، التي لو صُبَّت جهنم على رأسها فهي لا تزال واقفة، حسب تعبير الشاعر العراقي مظفر النواب (1934-2022)، يأتي الفرح رغم كل الأحزان، وتحضر البسمة لتمحو الدموع. فقد أهدتنا المرأة العربية بعض الفرح في ميادين أخرى تشهد صراعات سلمية، ولكن الفوز والخسارة فيها يعني الكثير. فبعد فوز الجزائرية كيليا نمور بذهبية الجمباز في باريس، كررت مواطنتها أيضًا إدخال الفرح لمحبي الشعوب العربية وانتزعت الذهب من فم الأحزان والآلام. ولم يكن فوزها سهلًا ولا وصولها إلى باريس كان يسيرًا أصلا، ولم يتوفر لها ما توفر لمنافساتها من رعاية ودعم وحوافز معنوية؛ لكن في كل الأحوال، بلوغ الغايات سهل لمن يمتلك القوة الفولاذية والإصرار والتحدي في سبيل إثبات الذات.

مؤخرًا فازت اللاعبة العراقية جُلبة عماد التي أحدثت جلبة في العراق وفي العالم العربي؛ لأن فوزها مختلف كما هي حياة جُلبة المختلفة، التي فقدت ثلاثًا من أطرافها. ومع ذلك، لم يهزمها العنف المدمر الذي ضرب أطنابه في العراق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003. لم يتسلل اليأس إلى جُلبة التي وقفت معها عائلتها لتجاوز المحنة، ووقفت على أطراف صناعية لمقارعة الخصوم وهزمت كل من واجهتها، وأهدت العراق ذهبية هي الأولى في تاريخ العراق. لتقول للعالم العاجز عن حماية البشر في العراق -الذي استباح حرماتهم منذ يناير 1991 وإلى دخول داعش إلى المدن العراقية وارتكابه أبشع الجرائم التي لا يمكن تخيلها رفعت جُلبة بيد واحدة ميداليتها- لتقول إننا شهود وشهداء، شهود على تخاذل العالم في وقف الحروب على العراق، وشهداء نتيجة الحروب الطائفية القذرة التي فتكت بجسد الشعب العراقي وأعطبته. يحدثني صديق عراقي عن معاناة ابنته التي فقدت صديقتها في تفجير طائش. ذهبت ابنة الصديق إلى المدرسة ولم تكن تعلم أن صديقتها قد فارقت الحياة، وحين سألت عنها قيل لها إنها استشهدت في التفجير، فسقطت البنت وأصيبت بجلطة سكرية كما قيل لصديقي الذي لا تزال ابنته تعاني إلى الآن.

عودة إلى النساء العربيات المتوجات بالذهب، فرغم كل العراقيل وضعف البنى الأساسية لممارسة الرياضة النسائية، إلا أنهن يحضرن في المحافل الدولية ويصعدن إلى منصات التتويج. من أمثال المغربية نوال المتوكل التي أحرزت ميدالية ذهبية في سباق 400 متر في دورة لوس أنجلوس 1984، كما أحرزت الجزائرية حسيبة بولمرقة الميدالية الذهبية في سباق 1500 متر في دورة برشلونة 1992، وفازت السورية غادة شعاع بالميدالية الذهبية في دورة أتلانتا 1996. وفي دورة سيدني سنة 2000، فازت الجزائرية نورية مراح بنيدة بالميدالية الذهبية، وفي الدورة ذاتها أحرزت المغربية نزهة بيدوان البرونزية في سباق 400 متر. وبعدها بأربع سنوات في أولمبياد أثينا، فازت مواطنتها حسناء بنحسي بالميدالية الفضية في سباق 800 متر. وفي الدورة ذاتها، فازت الجزائرية ثرية حداد ببرونزية الجودو. وفي أولمبياد لندن 2012، أحرزت التونسية حبيبة غريبي ذهبية 3000 متر حواجز. وفي الدورة ذاتها، فازت البحرينية مريم يوسف جمال ببرونزية سباق 1500 متر. وفي ساو باولو بالبرازيل 2016، أحرزت التونسيتان مروى العمري وإيناس بوبكري ميداليتين برونزيتين في المبارزة والمصارعة، وفازت المصرية سارة أحمد بالبرونزية في رفع الأثقال، والقائمة تطول في النساء المتوجات بالميداليات الأولمبية.

ختامًا أقول: إن المحفز الأساسي لكتابة هذا المقال هو فرحة ابنتي أوبار بموافقة إدارة مدرستها على تشكيل فريق لكرة القدم للفتيات، واختيارها لتكون قائدة لفريق طالبات الصف الخامس. فرحة أوبار ورغبتها في ممارسة رياضتها المفضلة أعادتني إلى الاطلاع على السجل الذهبي للمرأة العربية والتحديات التي تواجهها من المجتمع ومن المحيط، ولكن في النهاية يحالفهن الفوز.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني