الرياض التي تنهض
تمنحك الفعاليات الثقافية فرصة المشاركة والتعرف على شخصيات أدبية وفكرية تقرأ لها ثم تمني النفس بالحوار معها حول منجزاتها الأدبية أو مشروعاتها الفكرية، إضافة إلى اكتشاف المدن التي لا تمنحك مُكنة التعرف عليها، إلا إذا أطلت المكوث والسير على أرصفتها واحتساء القهوة في مقاهيها.
عُدتُ من مدينة الرياض بعد المشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب، بدعوة من وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة. وقبل الحديث عن الحدث القائم حاليا في الرياض وهو معرض الكتاب والمشاركة العُمانية في الدورة الحالية بوصفها ضيف شرف، أودُ الحديث عن انطباعات زائر لمدينة الرياض يزورها للمرة الأولى، إذ لم تسعف الظروف الموضوعية والذاتية لزيارة المدينة النجدية من قبل لأسباب يطول شرحها، ولكن بعد التحديث القائم حاليا في المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان وولي عهده الشاب سمو الأمير محمد بن سلمان، يمكن بوضوح رؤية شكل المملكة المستقبلية التي تُبشر بنهضة غير مسبوقة في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، ومن يزور المملكة خلال هذه الأيام يمكنه تلمس أوجه النجاحات على عدة أصعدة.
بالعودة إلى معرض الرياض الدولي للكتاب ومشاركة سلطنة عمان كضيف شرف عليه، فإن ما تشعر به النفس من ترحيب المملكة وشعبها بالعُمانيين داخل المعرض وخارجه، يصعب تمثله أو بالأحرى ربما تعجز وسائل التعبير عن البوح بالمشاعر المتبادلة بين الأشقاء، ولسنا بصدد شرح أسباب التأخر في التعرف على الآخر أو الوصول إلى هذا المستوى من العلاقة الطبيعية بين الشعبين، ولكن كما يقول المثل الدارج أن تصل أخيرا خير من ألا تصل أبدا.
تزيل الثقافة الحواجز بين البشر وتمد جسور التواصل بينهم، لهذا فإن الثقافة هي الأساس لبناء أي علاقة وتكوين أي تفاعل إيجابي بين طرفين، ومن خلال الجناح العُماني في المعرض والمقتنيات الموجودة ومشاركة دور النشر العمانية، وكذلك الفعاليات الثقافية من محاضرات وحفلات موسيقية فإنها تعطي الزائر غير المُطلع صورة عن الثقافة العمانية ومكوناتها المادية وغير المادية، وإن كان المنجز الأدبي العُماني هو حديث الساحة الثقافية العربية نظرا لبروز أسماء عمانية في الرواية والشعر والفنون وخاصة في التصوير الفوتوغرافي. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور فعاليتين عن الرواية، الأولى كانت بعنوان « الرواية العمانية: بانوراما ثقافية وفنية» حاور فيها الكاتب سليمان المعمري الكاتبين زهران القاسمي وبشرى خلفان، استعرض فيها المعمري تاريخ الرواية العمانية وتاريخها، وقدم الكاتبان أسباب صعود الرواية العمانية إلى قوائم جوائز الرواية العالمية، أما الفعالية الثانية فكانت بعنوان « الرواية الخليجية وسؤال ما بعد العالمية» شارك فيها كل من الكاتب والروائي عبدالواحد الأنصاري، والكاتب عبده خال، والكاتب زهران القاسمي والدكتورة عزيزة الطائية والكاتبة والروائية بشرى خلفان وقدمت الجلسة الدكتورة منى حبراس. ولا تزال المشاركة العمانية مستمرة في المعرض إلى نهاية المعرض.
تبقى لي أن أقدم الشكر إلى وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة على الدعوة واللقاء بالقارئ السعودي والأصدقاء السعوديين وفي مقدمتهم الكاتب والروائي عبده خال الذي اكتشفت فيه روح الكاتب الحقيقية المبدعة، وأيضا الكاتب عبد الواحد الأنصاري والكاتبة مشاعل عبدالله المحبة للثقافة العُمانية، وقد عرفتنا أيضا على الأكلات الشعبية السعودية.
إننا نعوّل على السعودية في قيادة نهضة ثقافية وسياسية واقتصادية في المنطقة العربية والإسلامية، نظرا لإمكانيات المملكة ومكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية وقيادة شابة طموحة ووجود كوادر وطاقات بشرية مُمكّنة من تنفيذ الخطط وصياغة الاستراتيجيات والرؤى الهادفة إلى تنمية الإنسان وتعمير المكان.