الرجل الذي ضل الطريق
كان في عجلة من أمره للحاق باجتماع مهم، وكان معروفًا عن هذا الرجل انضباطه واحترامه للوقت، إلا أنه في ذلك اليوم أخطأ الطريق فاضطر إلى أخذ لفة طويلة جدًا أخذته إلى الطريق السريع، فقط ليجد نفسه في المكان ذاته مرة أخرى، ومن تأثير الارتباك فقد تركيزه فوجد نفسه يدور في حلقة مفرغة حتى كاد الوقود أن ينفد من سيارته، وبالتالي عندما تمكن أخيرًا من تحديد وجهته، قرر التوقف عند أول محطة وقود صادفته، فقط ليجد شخصًا يترجل من سيارته ويأتي ليلقي عليه التحية.
كان هذا الرجل تربطه معرفة سابقة بصديقنا، لذا تبادلا الأرقام التي سقطت من ذاكرة كليهما، فاكتشف صاحبنا أن ذلك الرجل يشغل منصبًا مرموقًا جدًا، لا أذكر إن كان قد وصل أخيرًا إلى الاجتماع، لكن أظن أنه فاته، فقط لتمر عدة أيام ويجد مكالمة من صديقه ذاك يعرض عليه وظيفة براتب أضعاف ما كان يستلمه من وظيفته تلك.
حدثتنا كاتبة كويتية أثناء استضافتها لمناقشة كتابها هنا في العاصمة مسقط، كانت الجلسة قد تجاوزت ثلاث ساعات، قيل خلالها الكثير، لكن هذه القصة علقت في ذهني ولم تبرحه، وأعتقد لأنها لامست شيئًا في قلبي، فقد جعلتني أستحضر كل الانحرافات التي حدثت في مسيرتي المهنية والحياتية لا شيء إلا لتضعني وجهًا لوجه مع قدر جميل جعلني ما أنا عليه اليوم، كل ما حدث في حياتي تقريبًا حدث صدفة رغم كل ما خططت له، ومن يعرفني يعرف إلى أي حد أنا مهووسة بالتخطيط، كل مرة يأتي رب العزة ليذكرني بأنه (مدبر الأمر) وأن خططه لي يعجز عقلي عن استيعابها في حينه.
كل شيء بدءًا من قصة ابتعاثي، ومرورًا بإعلان الوظيفة الذي وجدته صدفة، وكل تفاصيل حياتي، والنهاية التي لا أعرفها لكني موقنة بأن اللطيف الخبير سيدهشني فيها مجددًا. أظن أننا جميعًا مثل ذلك الرجل، تُهنا في مرحلة ما من حياتنا، فقط لنكتشف أن يد الرعاية الإلهية هي التي أخذت بيدنا في ذلك الطريق المجهول، الذي ما كنا لنجرؤ على ارتياده لو اعتمدنا على شجاعتنا وتقديرنا للأمور، المرة القادمة عندما لا تحدث الأمور كما تريد لها، تذكّر قصة صاحبنا هذا.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية