الاستقالة الصامتة

12 مارس 2023
12 مارس 2023

على غرار «الطلاق الصامت» بين الزوج وزوجه اللذين يعيشان تحت سقف واحد لا يربطهما سواه ومسؤولية الأبناء المشتركة، ظهر مصطلح «الاستقالة الصامتة» التي بلا شك كانت موجودة منذ إن وجدت الوظيفة، لكنها كانت موجودة من دون اسم حتى وضع لها اسم مؤخرا، أسهم في انتشاره شبكات التواصل الاجتماعي، وأظهره على الوجه تغيير نمط العمل إثر انتشار جائحة كورونا، حيث جعل الحجر المنزلي وتغير نمط العمل ليصبح عن بعد أو «هجين» بمعنى خليط بين العمل عن بعد والعمل في المكاتب، جعل الناس تقيم أسلوب حياتها بوجه عام، وعلاقتها بالوظيفة بصورة خاصة، حيث يعاني الكثير من أبناء الدول المتقدمة من ظاهرة الإرهاب والاحتراق الوظيفي، الذي يستغرق جل وقتهم على حساب أسرهم وحياتهم الشخصية وعلاقاتهم وصحتهم البدنية والذهنية.

نتج عن هذا التقييم برود في العاطفة بين الموظف ووظيفته الذي أصبح يعطيها الحد الأدنى من جهده، ولا يتعدى عمله الوصف الوظيفي، يأتي متأخرا ويخرج باكرا، يرفض العمل الإضافي أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل الرسمي أو في الإجازات، رافعا شعار «وظيفي ليست حياتي» يرى الخبراء أن الاستقالة الصامتة أوالهادئة جاءت كنتيجة حتمية لظروف العمل الضاغطة في الشركات الكبرى، وضعف الحوافز، وغياب الرؤية فيما يتعلق بالتقدم الوظيفي، وساعات العمل الوظيفة التي ربما لم يكن غالبية الناس تشعر بها في خضم الدوامة التي كانوا يعيشونها، لكن الجائحة جعلت الكثيرين يتوقفون لتقييم حياتهم وطرح الكثير من الأسئلة على أنفسهم حول جدوى ما يقومون به ورضاهم عنه.

نتج عن هذه التساؤلات ما بات يسمى بـ«الاستقالة الكبرى» وهي ترك ملايين من البشر وظائفهم في أثناء وعقب الجائحة بلغت في الولايات المتحدة وحدها ما يقارب من 71.6 مليون شاب تركوا وظائفهم خلال عام واحد بين عامي 2021 و 2022، فيما تعاني كثير من الدول في أوروبا من رفض الموظفين ترك العمل من المنزل والعودة للعمل الميداني مسببين تعطيل كثير من المرافق الحيوية، وضغوطات أكبر على الموظفين الملتزمين الذي يطالبون بسد الثغرة في العمل التي تتركها الاستقالات الصامتة.

قد تشكل الاستقالات الصامتة وفقا لرأي الخبراء بعض الضغط على المستوى القصير والمتوسط على المؤسسات، ولكنها على المدى البعيد فهي تشكل خطورة على الإنتاج وعلى الاقتصاد وربما أيضا على معنويات الموظفين، إذ إن العمل طالما ارتبط بالهدف والمعنى الأسمى وهو الرسالة، لذا يجب على المؤسسات أن تنظر إلى أوضاع موظفيها بشيء من الاهتمام، وتعديل الأوضاع الوظيفية بحيث تساعدهم على العودة للولاء الوظيفي والانتماء المؤسسي المفقود.