الأسرار تتكاثر في الحانة
(1)
الكتابة من قصور الأشواق، وطِوال المنايا، وكاسِدات السُّوق، وقِصار السُّور، وبخس الكؤوس (لا تذهب، يا هذا، بعد هذا، إلى أية حانة إلا بذاكرةٍ سقيمة، وقلمٍ نافد الحبر، وطفلٍ أصم، وقلبٍ أخْرَس).
(2)
كأن ليس في الهواء حلق، مثلما هذه الصُّورة آتية من الحلق، ولا تكفي.
(3)
الأوراق مَحْضُ أصابعي (والرَّماد كذلك).
(4)
كم أُعجب بالواثقين من أنفسهم (أفعل هذا في انتظار حافلة النَّقل العام).
(5)
أنا في انتظارك (وتغفين، وتعنفين، وتنسين، وتتذكرين، وتَرْتَدين المياه، وترقِّصين السَّناجب، وتَشْجُبين القِطط، وتنهُرين الأضواء، وتُحَذِّرين الألوان، وتأتين أو لا تأتين).
(6)
يعتقد أنه (أخيرا) وصل إلى تلك الحالة التي كتب بها هرمَن هِسِّه عن «ذئب البوادي» و«سدهارتا».
لكن هذه مجرد نقطة للمغادرة إلى حانة أخرى، لا غير.
(7)
يا أيها الملكوت: ابتدأ نضالي قبل ذلك.
(8)
الجنازة ستكون جاهزة بعد قليل؛ فلا تغربوا عن وجهي طويلا (من يدري، قد أفتقدكم وأنا في طريقي إلى هناك).
(9)
في هذا الليل الطَّويل ينجلي الوقت والقلب (القلب والوقت فقط يا امرأ القيس).
(10)
العالم، بحدِّ ذاته، ليس مشكلة. المشكلة هي وجودك فيه (خاصة إذا كان الآخرون لا يرون في وجودك فيه أية مشكلة).
(11)
الشِّعر وطنٌ بديل. أما الشُّعراء فليسوا كذلك بالضرورة (في كثير من الحالات، الشُّعراء ليس لهم بديل، ولا ضرورة).
(12)
بالكاد أتنفَّس مُتَخَفِّفا من بقية الأهواء، والعادات، والأعضاء، والحانات.
(13)
الميّت زيادةٌ غير ضروريَّة في النَّفقات، واعتذارٌ جلفٌ من بقية الفواتير.
(14)
لا أستيقظ في الصَّباح، ولا أرمي الحجارة على باب الحانة الموصد.
(15)
كارثة كبيرة حدثت في اليوم التالي: العالم يبدو كما كان في حانة البارحة.
(16)
لا أطمئن إليكِ. لا أثق بالنجوم. لا أحب الشَّرشف.
(17)
تعالي، وسأقدِّس الغياب مرة أخرى (أيضا).
(18)
ذلك الشَّاعر تفتقده المعارك المُدَّعاة، ولم يعد مقيما حتَّى في مخازنهم الاحتياطيَّة.
(19)
السُّكوت صار سيِّد الموقف، والصمت لم يعد كافيا.
(20)
الخطوة الخامسة لن تكون إلى البلاد.
(21)
في كل يوم أكتب ولو سطرا واحدا فحسب (أحيانا من ثلاث كلمات فقط). والمعركة بيني وبين الموت لا تزال مريرة ومستمرة.
(22)
الشوق كارثة. الحنين من موضوعات الأدب والفن. الموت هو اللقيا في الحانة.
(23)
آه يا إلهي: لماذا جعلتني أنتصر؟
(24)
أكملي ارتشاف قهوتكِ التُّركيَّة قليلة السُّكَّر، وعليك أن تدفعي الفاتورة هذه المرة (الطوفان سيكون صغيرا مثل قُبلة سريعة، وعتاب بطيء).
(25)
الحُبُّ محاولة أخرى لتصفية الشَّوائب أو الحسابات مع حُبٍّ آخر (الحُبُّ فعلٌ من أداء التَّراكم غير المقصود).
(26)
في الصَّباح غادَرَني الليل الآخر، ولم أعد قادرا على اللُّغة بغير هذي النِّياط التي تتشبَّث بي منذ حانة البارحة.
(27)
أيها القمر: لم أطلب منك أبدا أن تراني.
(28)
استقالت السُّلطة الرَّجعية من الثَّوريِّين التَّقدميين (وهذا أعظم إنجازات تلك البلاد في تاريخها المعاصر).
(29)
لا تتكرَّر (كم هو طويلٌ قلقي من تَنَفُّسك).
(30)
لا أريد ملاءة على سريركِ. لا أطمح لكعبة تحت سُرَّتكِ.
(31)
في ما تبقى من العمر، أتوق لأن أراك ولو مرة واحدة وأخيرة (بشرط أن تكوني على الضِّفة الأخرى من النَّوم، أو البحيرة، أو الحانة).
(32)
في هواكِ، النَّدم محض استغفار، والموت لا يستطيع أن يكون غير احتضان الاعتذارات في حانة لن أحتسيها أبدا.
(33)
ليس الموت سببا وجيها للانتحار (حين لا تدرك الفرق بينهما بما فيه الكفاية).
(34)
تعلَّم درسا مريرا: ما يقوله الناس غير صحيح.
تتلمذ على درس فاجع لاحقا: أمُّه تعيد عليه الكلام غير الصحيح.
فَقِهَ درسا عاشرا في الخسارة: لم يَعُد له حليب، ولا حانة.
(35)
مشكلة الشَّاعر في الحرب مُضاعفة وكارثيَّة: عليه أن يكون في المقدِّمة، والمؤخَّرة، والميمنة، والميسرة.
وبعد أن تضع الحرب أوزارها يقتلُ الشَّاعرَ المنتصرون والمهزومون معا.
(36)
يستطيع الدَّم ألا يكون لحما (في بعض الحالات).
(37)
لا تبحث عن الحياة إلا بالأخمص.
(38)
لم يتبقَّ لهم سوى الغنيمة.
(39)
الشَّماتة فضيلةٌ غُفرانيَّة (وإلا كيف نستطيع تفسير أن الرذيلة كانت خطأ غير مقصود)؟
(40)
التَّقديس عبادةٌ بعينٍ واحدة فقط.
(41)
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي هذا، والانتقال بالصّوت والصّورة من الجثَّة إلى مائدة الغداء، تجرَّد الموت من هيبته ووقاره (وقد يكون هذا من حُسن صنيع الأخبار والضَّجر الجاثم على قبور الجميع).
(42
لم يعد في وارد الموت سوى غياب المجاملة.
(43)
يزدردون الأمتعة، ويقترفون الأشعار، ويكتبون الرِّوايات.
(44)
الوصول لا ينتظرنا (المحطَّة القادمة تنتظر المحطَّة القادمة).
(45)
أرنو إليكَ هكذا، هنا وهناك، من هذه الشَّمس أو من تلك البئر، لأني أدرك - أكثر من أي وقت مضى - أنكَ لست البداية.
(46)
تبدأ الكارثة حين يقرؤك أحد غيرك (خاصة إذا ما حدث ذلك في حانة).
(47)
الوطن استراحة (أحيانا فقط، وليس للجميع).
(48)
لُعابهم الطُّعم.
(49)
الغَدُ تُهمة.
(50)
قبرٌ يُنازِع في النَّشيج الذي ينسجه.
(51)
لا يستطيع الباب أن يفعل كل شيء.
(52)
المَقْتُ انشغال (تقريبا مثل الحُب، وكما الموت).
(53)
لا يصيخون إلا للصَّفيح.
(54)
يهادِنون بالرِّقاب.
(55)
الموت ضرب من ضروب الكلام (الذي لا ينبغي من أحد أن يلوم أي أحد بسببه).
(56)
يخوننا كمن يتصدَّق على غيرنا في الحانة.
(57)
الحياة قصيرة. الخيارات قليلة. الحانات ضئيلة. القرارات كبيرة.
(58)
لن ينفجر رأسي (والأسرار تتكاثر في الحانة).
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني