اقتصاد العربة
hamdahus@yahoo.com
قررت أن آخذ جهاز الحاسوب المحمول وكتابا مستغلة موعد عمل كنت قد حددته في أحد مقاهي مدينة مسقط الجميلة، اخترت لي مقهى جميلا هادئا يديره شباب عمانيون، يمنحني التعامل مع الشباب العماني طاقة وبهجة، وأشعر بأريحية أكثر لتلك الطاقة التي تبعث في المكان، أحب أن أتلقى التحية العمانية التقليدية، بوجه بشوش ومضياف، من حسن الحظ أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير جدا، للدرجة التي لم تعد مستغربة أن تجد صاحب المقهى العماني يستقبلك.
لقائي كان مع شابة عمانية تعمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص بدوام كامل، لكنها تقدم خدمات أخرى بعيدة عن تخصصها ومجال عملها كوسيلة للحصول على مصدر دخل آخر، عرفت من هذه الشابة الطموحة بأنها مستثمرة أيضا في عدد من هذه المقاهي، أسوة بأعداد متزايدة من أبناء جيلها الذين اختاروا (اقتصاد العربة) المتنامي.
بالنسبة لي شخصيا فإن أول مرة أسمع عن اقتصاد العربة كان أثناء ترؤسي للجنة الفنية للتقاعد بجنيف، حيث كان أحد المشروعات التي تبنتها الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي آنذاك وما زالت، لما يشكله هذا القطاع الجديد من تحدٍ للحكومات وأنظمة الحماية الاجتماعية، حيث أصبح يوظف عددا متزايدا من الشباب الهاربين من الالتزام الوظيفي وعقود العمل الملزمة، حيث يشير تقرير لشركة «مكنزي» إلى أن ما يزيد عن 162 مليون شخص في هذا القطاع في أوروبا والولايات المتحدة وحدهما، واقتصاد العربة هو تعريب لمصطلح (Gig Economy) أو العمل غير المنظم.
والذي أصبح ملاذًا لأعداد متزايدة من الشباب والمتقاعدين على حد سواء، إما كمصدر دخل أساسي أو كوسيلة للحصول على مصادر دخل متعددة، وذلك لما يوفره من استقلالية ومرونة في تحديد نوعية العمل وساعات العمل المناسبة للفرد دون الارتباط بعقد عمل أو وصف وظيفي محدد.
لكن الأمر لا يخلو من مخاطر، وأكثر ما يقلق في هذا الاقتصاد المفتوح هو غياب الأمان الوظيفي بسبب غياب العقد الملزم، وعدم توفر منافع ومزايا الوظيفة الدائمة من حماية اجتماعية وتأمين صحي، ووجود تنافسية عالية في هذا المجال مما يتطلب من الفرد أن يمتلك مهارات تسويق عالية ليستطيع التسويق لنفسه، والعمل المستمر على تنمية مهاراته بجهوده الشخصية حتى يكون قادرا على التنافس.