«استروا ما شفتوا منا»
في رواية «ميثاق النساء» ورد على لسان أحد أبطال القصة وهو يودع أهل مطلقته بعد إنهاء إجراءات الطلاق «استروا ما شفتوا منا»، استوقفتني هذه العبارة كثيرًا، لما تحمله من معانٍ عميقة، فلا شيء مثل الزواج يكشف المستور، فهو يجعل المرء عاريًا تمامًا أمام الطرف الآخر، عاريًا بكل المقاييس، وتتداخل الأسر في الزواج بشكلٍ لا تتيحه أية علاقة أخرى، فالأنساب يدخلون منزلك، وأنت تدخل منزلهم، تتكشف على عورات بيوتهم المستورة عن غيرك.
في السابق كان من العار أن يتحدث الطليقان عن مشاكلهما، ودواعي الطلاق، ولم تكن الأمهات ليسمحن لبناتهن أن يخضن في أسرار بيوتهن حتى أمامهن، اليوم سبحان الله، بات كل شيء يكشف على الملأ، ويستعرض على شبكات التواصل الاجتماعي، بل وصل الأمر بنا إلى عمل ما بات يسمى بـ«حفلات الطلاق» يكشف فيها كل مستور، وتحفل هذه الحفلات بالغيبة والنميمة وكشف الأسرار، في أحيان كثيرة دون مراعاة لمشاعر الأبناء الذين يسمعون كل هذا القبح عن أحد الوالدين، وأسرته في كثير من الأحيان، فما يسري على الزوج يسري على أسرته، وهو ما يحدث صدعًا عميقًا في العلاقات، ويؤدي إلى قطع الأرحام.
إحدى النساء جاءتني منهارة بسبب كشفها لخيانة زوجها لها، نصحتها بأن يبقى الأمر سرًا بينهما، وألا تخبر به أحدًا خاصة والديها، فهذا الأمر سيؤذيهما أكثر مما يؤذيها هي، وهي قد تتصالح معه غدًا، وتغفر له وتعود المياه لمجاريها، لكنهما لن ينسيا، ولن ينسى الناس أيضًا، لكنها مضت تتحدث أمام الجميع عما حدث، مشاركة أسرارًا حميمية جدًا عن زوجها، وأشياء ما كان يجب أن تكشف إلا لبعضهما، وفعلا بعد عدة أشهر من الصراخ، والغضب، والتنفيس عن الاستياء، عادت المياه إلى مجاريها بينهما، ونسيا ما حدث لكن لم تنس أسرتيهما، ولم ينس الناس الذين عرفوا بتفاصيل القصة، ولم تعد الأسرتان تتواصلان أبدا، ولم يعد أيٌّ من الزوجين يستطيع دخول بيت أسرة الآخر.
وهذا يذكرنا بالقاعدة القرآنية الجميلة التي تلخص كل ذلك (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) التي تذكر الزوجين في غمرة التأثر بهذا الفراق والانفصال، ما بينهم من سابق العشرة، والمودة والرحمة، والمعاملة، العلاقة الزوجية هي من أكثر العلاقات قدسية، ومهما سادها من مشاكل عارضة لا تخلو من هذه الجوانب الجميلة.
حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية