اسأل أكثر..تعرف أكثر

27 فبراير 2023
27 فبراير 2023

ليس من السهولة الموافقة على تقديم شخصيات إعلامية مارست العمل الإعلامي لأكثر من عقد من الزمان، فماذا ستقول لإعلامي تمرس في الحوار والمقابلات والحفر المعرفي في الذاكرة، والإطلاع على الوثائق والمحفوظات القديمة، وكذلك تقديم الشخصيات الفاعلة في مجالاتها للجمهور والمشاهدين. ففي الأسبوع الماضي قدمت جلسة حوارية حول الإعلام الروسي بمشاركة الإعلاميين في قناة (RT العربية) الدكتور سلام مسافر مؤلف كتاب (الهمجية: شهادات غزو واحتلال العراق)، وخالد الرشد مؤلف كتاب (رحلة في الذاكرة)، بمشاركة معدة البرامج قناة أنيسة مراد. كانت لدى الضيوف تجارب مختلفة في برامجهما، فبرنامج سلام مسافر استضاف شخصيات عربية ماعدا الدبلوماسي الروسي فلاديمير تيتورينكو، بينما ضيوف خالد الرشد من المخضرمين الروس.

كان هاجس الأسئلة مقلقا بالنسبة لي، فأي الأسئلة يمكن طرحها وأيها الأنسب للضيف والمتلقي، وأي الأساليب أنسب لاتباعها في إدارة الحوار؛ لأن الأسئلة هي المعيار للنجاح أو الإخفاق، ويبقى السؤال المتولد عن إجابة الضيف أهم الأسئلة غير المُدرجة في القائمة. كنت قد تعلمت من تجربة سابقة أن اللقاء الإعلامي يسبقه تحضيرات مجهدة وعملا مضنيا. ففي عام 2006 وأثناء معرض تونس للكتاب، قابلت الناقد والأكاديمي التونسي الراحل توفيق بكار (1927-2017)، وطلبت منه إجراء مقابلة صحفية، وحددنا موعدا بعد انتهاء المعرض، وفي الوقت المعلوم التقيت به في مكتبه بدار الجنوب للنشر، وكان برفقتي الكاتب والروائي التونسي كمال الرياحي، وكانت أسئلتي متواضعة جدا، فما كان من الناقد الكبير إلا أن قال لي «يا ابني قبل أن تعمل مقابلة يجب أن تقرأ ما كتبته وما كُتب عني بعدها أطرح الأسئلة التي تشاء»، كان ذلك درسا عمليا لي، وقد أنقذني الصديق كمال الرياحي في الحوار مع توفيق بكار.

سرني كثيرا أن محتوى كتابي الهمجية، ورحلة في الذاكرة، كان جلسات حوارية ثم صدرت في كتاب، أي انتقال الكلمات من الشفاه إلى الكتابة، على نقيض السائد حيث تحولت الكلمات المكتوبة إلى التسجيلات الصوتية، وهي طريقة تُسهم في إضعاف القراءة والاستمتاع بتلاوة الكلمات، ولكن الأهم من كل ذلك أن الحوارات التلفزية للضيوف في برنامجي سلام مسافر وخالد الرشد تُرمم الذاكرة، وتستنطق الشخصيات الفاعلة في الشأن السياسي الروسي وعلاقتهم بالمنطقة العربية، فمثلا في كتاب (رحلة في الذاكرة) يرد حديث عن توصيات من وزير الخارجية السوفيتية غيورغي تشيتشيرين إلى سفيرهم في جدة كريم حكيموف سنة 1924، يشيد فيها بتوحيد الأراضي العربية بقيادة ابن سعود» مصالحنا في المنطقة العربية تتمثل في توحيد الأراضي العربية في كيان دولة واحدة، وإذا كان ابن سعود سيتبع سياسة توحيد العرب فإن ذلك يتوافق مع مصالحنا». هذه التصريحات المكتوبة في وثائق في العهد السوفييتي تدل على حرص السوفييت في توحيد المنطقة العربية.

وبالعودة إلى الإعلام الروسي فإنه لم يكن أحد يصدق ما فعلته الدول الغربية تجاه القنوات الروسية، إذ حُجبت في الاتحاد الأوروبي، كما حظرت إدارة (يوتيوب) قنوات روسية ومنها قناة (RT العربية)، في مشهد سريالي يصعب فهمه، إذ كنا نظن أن حرية الرأي والتعبير قيمة مقدسة لا يمكن المساس بها مهما اختلت موازين التفاهم، ولكن يبدو أن قدسية الكلمة وحق الرأي تدنسهما المصالح، وتنتهك حرمتهما أمام الملأ، فتغلق قواميس القوانين، وتُرفع إلى أن تحين الفرصة لاستخدامها مجددا تجاه دول تخرج عن طريق التبعية أو تشق عصا الطاعة.

فالدول التي كانت تدافع عن حرية الرأي والتعبير، مارست بمنعها حق الوصول للمعلومة الاعتداء على حرية الرأي والتعبير، وإذا كانت الأنظمة الأوروبية تمارس فعل العصا والجزرة، فإنا نلوم الإعلاميين الغربيين الذين لم يحركوا ساكنا تجاه حجب القنوات الروسية، وانتهاك لحق الرأي والتعبير.