إذا كنت تريد .. فأنت تستطيع
قبل يومين وبعد أربع سنوات ويزيد قليلًا على خروجه إلى التقاعد، التقيته صُدفة في أحد مقاهي ولاية الحمراء وكان غير الشخص الذي حاورته ممتعضًا في عام ٢٠٢٠م بسبب ما أسماها يومئذ بـ«كارثة التقاعد» التي حلّت به ربما بسبب عدم استعداده المُسبق لها.
بدا الرجل الذي كان ممتلئًا يلهث من أقل خطوات يخطوها فيما مضى .. بدا رشيقًا معافى تطفرُ السعادة من عينيه حد أنني شككت بأنه الشخص الذي كنت أعرف.. يبدو أنه والأسرة كانوا في جولة إلى «جبل شمس» وقد قضوا ليلتهم هناك ثم أبى إلا أن تكون القهوة المُغرم بها مُنذ سنوات آخر ما سيخرج به من «الحمراء».
«في مدخل الحمراء كان لقاؤنا.. ما أطيب الُلقيا بلا ميعادِ» قلت مرحبًا ثم سرقته سريعًا من أسرته إلى طاولة مجاورة فاتحًا معه دون إبطاء سجل ذكريات جميلة لن تسقط من الذاكرة وسيلًا من الأسئلة ما كنت لأشعر بالارتياح لو أنني صادرتها داخلي .. سألته وكُلي ثقة أنني سأحظى بما أريد: هاه كيف التقاعد؟ ليبدأ في سرد قصة طويلة أسكتتها ابنته الجميلة «إنتظار» عندما همست في أُذنه بأنهم تأخروا كثيرًا ويجب أن يعودوا إلى مسقط.
افتتح حديثه بالآية الكريمة باسمًا: «وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ» ثم استفاض في تذكر الأصدقاء والمواقف والمقالب التي رافقتنا طيلة سنوات العمل .. بعدها عدّد فخورًا ما أنجزه في مُدة قصيرة مدفوعًا بفكرة ضرورة الوقوف منتصبًا في وجه الريح يقول:
مكان العمل الأول يا صديقي أشبه بالقرية الصغيرة التي وُلد فيها الإنسان وتربى وعاش فهو يعرف بيوتاتها بيتًا بيتًا وسكانها فردًا فردًا، إن أُجبر على فراقها اكتربت نفسه وضاقت عليه الدنيا لأنه لم يكن ليتصور إمكانية العيش خارجها، لكن ما إن يقتنع أنه مُطالبُ بالحياة وأن أرض الله واسعة يبدأ في البحث عن أرض جديدة، فيجدها وتسكن جوارحه ويواصل الحياة التي سيصنعها حينئذٍ بيده هو.
كان لا بد لي من وضع تصور يتوافق والمستجدات يقوم على ضرورة تفّهُم الجميع للواقع الجديد غير المعتاد والعمل معًا على إعادة برمجة أسلوب حياتنا بعدم إضافة أعباء مالية .. بحثتُ عن مصدر دخل عوّض بنسبة معقولة ما تم اقتطاعه بسبب التقاعد .. اتبعنا كأسرة سياسة «ترشيد الإنفاق» من خلال شراء الضروريات .. سددت التزامي البنكي وقد حققت نجاحًا منقطع النظير في تطبيق هذه السياسة.
لا شك أن العمل على حلحلة تلك الأزمة كان يقتضي وجود إرادة حقيقية وإخلاص للنوايا والنظر إلى الأمام، فلا جدوى من العيش على الماضي والبكاء على اللبن المسكوب واتخاذ منصات التواصل ووسائل الاتصال وسيلة للتشكي وجلب التعاطف وبث السلبية وإثارة مشاعر العامة، فإذا كان الإنسان يريد فإنه يستطيع .. لا يوجد شيء أقوى من إرادة الإنسان.
الحياة يا صديقي تُحب من يُحبها وهي لن تتوقف لموت فلان أو تقاعد علان .. فإما أن تقف في الطابور مُتماسكًا وتمضي بعزيمة حتى تصل إلى رأس النبع، فتشرب وترتوي، وإما أن تسقط أرضًا فتُسحق تحت الأقدام.
النقطة الأخيرة..
يقول الروائي البرازيلي باولو كويلو: «إذا أردت شيئًا بحق، الكون يتآمر كله لمساعدتك على تحقيقه».
عُمر العبري كاتب عُماني