أنساغ.. من دون الاضطرار لكل ما سيُذكر أدناه
(1)
من الأفضل أن تكون للمرء آراء خاطئة في كل شيء بدلا من ألا يكون له رأي في أي شيء على الإطلاق (أصحاب "الآراء الصائبة"، منذ الفلسفة الإغريقية وحتى اليوم، هم من أوصلونا إلى هذا، ولا داعي للمزيد من هذا).
وبنفس درجة أهمية الأمر فإن على المرء أن يتمتع بقدر كاف من احترام النفس بحيث لا يقول رأيه الخاطئ إلا حين يُلَحُّ عليه في ذلك.
واستطرادا: "دموعي بعدد أخطائي/ وأخطائي بعدد التزاماتي" (محمد الماغوط).
(2)
هذا شخص متَّزن مثل حطام سفينة، ووقور كأنه مقبرة، ورزين كالتماثيل، وواثق القدمين، والذراعين، والعينين، ومُعْتَدُّ النَّواجذ إلى أبعد الحدود. إنه لا يشعر حتى بارتجافات الهواء، وإفشاءات الأغصان، وهسهسات النجوم من حوله.
بالله عليكم، كيف يمكن إنقاذه؟
(3)
إذا لم يتمكن الشاعر من الإتيان بجديد (إنْ في الشكل أو المضمون) فماذا عليه أن يفعل؟
أعرف أحدهم وهو يحمل موس حلاقة في محفظة نقوده منذ أكثر من أربعين سنة "تحسُّبًا للطوارئ" التي قد تحدث وهو يسعى في مناكبها، وبين كوارثها وكلماتها، كما يقول.
(4)
الأم: كلمة ممطوطة وهلاميَّة مثل مفردة "قميص"، أو سؤالٌ مبدئي عامٌّ من قبيل: ماذا فعلتُ كي أكون هنا؟
(5)
المستقبل: ملاقاة كل الأضرار بصورة مضاعفة، وأثر رجعي، ونتائج مُرَكَّبة.
(6)
لا يحتاج المرء لأكثر من مخيَّلة عاديَّة وقليل من القراءات والأفلام ليتصور حال العبد في روما القديمة، لكنه يحتاج إلى ميتا-مخيَّلة وقراءات يزداد غيابها ليتصور حال المرأة في هذه الناحية من الأدغال.
(7)
في وصف بعض "المثقَّفين": لم يعد الأمر أنهم ملكيون أكثر من الملك، بل أصبح الحال أن المرء يخال أن الملك قد تنازل أو استقال (وأظن أن الرعب، في هذه الحالة، سيكون أكبر بكثير).
أنا أيضًا "أتحسس مسدسي" (لكن على العكس الكامل لطريقة ومخاوف السيد جوزيف غوبلز).
لقد مضى زمن كان المرء يخاف فيه على المثَّقف من الاقتراب من السُّلطة لأنها تشكل خطرًا عليه (بسبب حبالها)، والآن جاء زمن صار فيه المرء يشفق على السُّلطة (بسبب أحابيل المثقَّف).
(8)
في الخاصرة، تمامًا مثل مكان أوت إليه كل العظام والقطط السائبة.
(9)
رشفة أخرى من كأس النبيذ الأحمر، قبلة على عجل في حياء اللعاب، وكان الليل سيسقط على ركبتيك بالضبط.
(10)
الذي يسكن في شقَّة في الدور العاشر ليست لديه مشكلة في الحياة، والأهم من ذلك أنه ليست لديه مشكلة مع الموت أيضًا (جيل دولوز اكتفى بالدور السادس فقط حين اقتفى أثر إمبدقليس نحو فوَّهة البركان).
(11)
وحيدًا، مليئًا، ضئيلًا، منبوذًا، ضاغنًا، ضاعنًا، عليلًا.
أيتها السماء، متى ستفسِّرينه؟
(12)
في النهار أحبك، وفي الليل أنا في ضروب البحر.
)13)
أحبك، ولساني رهنُ الريح.
(14)
ليس هناك أسرار إن في الليل، أو النهار، أو الإضمار. هناك فقط أشياء تحدث بسريَّة في القول والعمل (إلى حين).
(15)
تكمن الكتابة في مشكلتين: الأولى هي أنها تضعك أمام الصمت، والثانية هي أنها تضعضعك أمام كثرة الكتابات، وقلَّة من يكتبون.
(16)
تشرق الشمس، تغرب الشمس.
أحدهم يصيبه النور والظلام بالعذاب.
(17)
الموت مجرد روتين، والحياة محض واجب. ذلك لا يروق لي أبدًا.
(18)
في الحطب، عند المدفأة، بمحاذاة النار، قرب البحر، ماضٍ يتشرَّبُ ويتنزَّه.
(19)
لا حنان ممكنٌ، ولا ندم متاح.
(20)
أنا حزين جدًا، وأنت لم تدركِ ذلك قَطْ.
سوف نذهب إلى المطر.
(21)
شيء كبير قدَّمتِه بغزارة: خرافتك.
(22)
لا شيء يستحق أحدًا، وأنتِ قبل الأشياء (لعلك تدركين الآن حجم الكارثة).
(23)
في انتظار رهانات الزمان القديم، بذاكرته، أقدامه المتشققة لفرط غياب الطائرات والخيول وفقدان الوقت، بحماقاته وطيشه الأسوأ من انتظار الليمون الأخضر واليابس في مزارع مجز الصغرى، بانتظار توقف القمر على عريشنا وكفِّ مولِّدات الكهرباء المنزلية الصغيرة عن جهدها الباهظ لبضع ساعات في الليل، في الأرق، بالتسلق على استحالة المدى، بالعَرق الغزير في مغبَّات الليل واستفاقة البساتين.
(24)
لقد تخلص من كل الأعباء، لكن تبقت مهمة أخرى أكثر صعوبة: هو.
(25)
هدر روحه وقتل نفسه لأجلكم.
من فضلكم أخبروه من سيسدد آخر طعنة (خاصة وأنه ليس شكسبير).
(26)
دخان وحليب يتدفقان من مسامات الصخور
جرحى يجرُّون بلدةً تحترق
كلب يعضُّ نفسه وهو يغطي انسحابًا مرتجَلًا
حديقة لا تكتمل.
(27)
تخلق الحياة الأسطورة، ثم تقلِّد الأسطورة حكايات الحياة.
(28)
أنا أشيخ
وأنتِ، هل توضأتِ بالنسيان؟
(29)
في الصدى، كأنَّه ذَهَبُ الغبار.
(30)
القول مقامرة، واللغة إطناب الصَّريع.
(31)
في تلك البلاد عليهم أن يتوقعوا أي شيء وكل شيء (بما في ذلك مَحْلُ النبوءة).
(32)
تمدُّدُ الرئة بحيث يصير الهواء صغيرًا، جفاف في الحلق إذ تغادر الغيوم الشِّعر وتكتفي بالتحليق حوله فحسب، تبادل الكلام الفارغ كما في محاضرات الجامعات، سقوط السماء على كأس النبيذ أو العصير، ارتعاش السيقان والأحشاء والأقدام كما في نظرية الانفجار الكبير.
لكني البارحة رغبت في البكاء من دون الاضطرار لكل ما ذُكِر أعلاه.