أنساغ: لا أحتاط للثَّكالى.. وأنا أول الأيتام

30 يوليو 2023
30 يوليو 2023

(1)

ما من عاطفة في الرَّأس، أو القلب، أو اللغة. توجد العاطفة في الأصابع.

(2)

ليس كل من يسقط من عينيك سيعينك بالضَّرورة على قدرة النَّظر إلى الشَّخص القادم (الذي سيسقط من عينيك أيضًا).

(3)

في صرير الصَّمت وفي مقلة القول. في قيلولة السَّجان وعند تَيَمُّم الماء يجيء. في الحب هزيمة اللسان. في الاحتضار عجز الأذرع.

لا أبوح بأمنية.

(4)

أخذتني ساعة معطوبة على قاع البحر، وإليه.

(5)

أشعر بدبيب الموت في أعضائي مثل مدفأة تتحسَّسُ حرارتها (وأدركُ بؤس التَّشبيه في الصَّيف، وفي الشِّتاء، وفي بقيَّة الكلمات).

(6)

تتمشَّى النِّساء في الأسواق ويخفرهنَّ الحياء. ويتمشى الرِّجال في الأسواق ممتشقين الانتظار. ويطير الحمام على النِّساء والرِّجال في مجز الصُّغرى وقد نسي الصِّفات.

(7)

إذا ما أنتَ نِمْتَ فسوف يصحو شبحٌ ما.

لا تدعه ينغِّص عليك بقيَّة الليل.

(8)

حاقَت بهم الهزيمة في فرط الإعداد للمعركة.

(9)

الحُبُّ مشروع كتابة عن الحُب.

(10)

لا يستطيع أعظم شاعر أن يأتي بأكثر مما فعلَ بالفعل (لكن الجميع يعرفون كل الشُّعراء، ولا أحد يعرفه).

(11)

أشتاق إليكِ في الظَّهيرة (أقصدُ: يخونني السَّديم في الليل).

وأقصد أيضًا أن على الاشتياق أن يكون من منسيّات الأوقات، وأن يكون في المواقيت التي تقترحها اللغة (لكن ليس فحسب؛ وذلك لأن اللغة تصير وهمًا بعد الكتابة، وبعد الجسد).

(12)

الحُب لا ينقصنا. ما ينقصنا هو فعل أقصى ما يمكن فعله من أجل نكران الحُب في اللحظة الأخيرة (اللحظة الحاسمة التي نحاول تجاهل أنه لا بد منها).

الحقيقة هي ذلك التجاهل.

(13)

ما حدث قد حدث قبل أن يحطَّ نورس على حيزوم السَّفينة التي أقلَّت الخارطة إلى مآثر البلاد.

(14)

يصير الشَّاعر كل يوم، ثم يهرب إلى يومٍ سابق.

(15)

تسير جنازير الدبَّابات على الأرغفة والدُّموع، ثم يعلنون النَّصر على الأعداء (بكلمات أخرى: انتصروا على الأرغفة والدموع).

(16)

لا أنا أمضي ولا أنا بانتظار الصَّباح. ونحن اتفقنا على إنفاق بقيَّة العمر في الحديث عن شيء آخر.

(17)

الكتابة خللٌ في الهواء.

(18)

هذه كلها مجرد اضطراريات تمويهيَّة بائسة: الأبديَّة، النُّجوم، البرازخ، الشُّموس، الأقمار، القبور، إلخ (عليك أن تكون وحيدًا أكثر).

(19)

لا أستطيع قول أي شيء، ولا أقدر على كبت كل شيء.

(20)

كل شيء قابل للاستهلاك (يتربَّع الحبُّ على رأس القائمة).

(21)

كان إطلاق النار بكل تلك الكثافة العالية تجريبيََّا فقط (لا أحد يتمكن من إحصاء القتلة والمقتولين).

(22)

من المؤسف أن هذه الحياة منوطة بشخصٍ آخر. من المؤسف أكثر هو أنني من أنيطت به مهمة التَّصرف بها لصالح شخصٍ آخر.

(23)

في هذه الليلة أضفتُ ثلاث كلمات إلى العتمة، فازداد حزني مرَّتين.

(24)

ما الكتابة إلا تَسلُّق أخير على ما تبقى من أعراض ذاكرة عليلة. الذاكرة المعافاة مهمتها القراءة (أقصد: العَرَجَ والتَّأتأة).

(25)

لم يعد الأب ينتظر هلاكك (كل ما فعله في هذا المسعى لم يُفْلِح، لأسفكَ أكثر من أسفه)، بل يترقَّب موته.

انتبه: موت الأب مكيدة أخرى من مكائده.

(26)

أيها الملعون: هناك أخدود آخر.

(27)

حتى أشياء من قبيل إجراء مكالمة هاتفيَّة، أو الرَّد على رسالة في البريد الإلكتروني، أو أخذ الثياب المتَّسخة إلى محل غسيل الملابس، أو تعبئة خزَّان السَّيارة بالوقود، أو مسح الرسائل الصوتيَّة والمكتوبة من ذاكرة الهاتف المحمول، أو الهجرة إلى المطبخ من أجل إعداد كوب قهوة، أصبح شأنًا يتطلَّب جهدًا، وتفكُّرات، وحسابات للعواقب.

يكتنف السِّر كل شيء.

(28)

«في البدء كانت الكلمة» («سِفر التكوين»).

كلا، الكتابة شخص آخر جديد تمامًا في البدء.

(29)

أصعب ما في الشِّعر: أن تصف ما رآه الناس أجمعون.

(30)

ستشرق الشمس غدًا (من باب الافتقار إلى محاججة أخرى).

(31)

كل هذه الدروب لا تقود إليكِ، بل إلى ما أسبغته الرِّياح، والرِّمال، والذِّكريات على الخطى المجهولة.

(32)

يا أيها الذين تدفنونه: أنتم لا تعلمون أنه قضى كل حياته في سبيل محو الأثر.

(33)

الحب ليس سرابًا. السَّراب هو الطريق. الطَّريق هو ذريعة الجدوى.

(34)

ما الذي سيحدث حين تموت؟

اطمئن، لن يحدث أي شيء، ولن يموت أحد غيرك.

(35)

الحركة الرَّابعة في «تاسعة» بيتهوفِن: تقريبًا لا شيء أبدًا يمكن أن يحدث بعد ذلك في آخر الأمنيات.

(36)

مجز الصغرى لم تعد هناك. أما هناك فلا يزال أنا.

(37)

دَعْ لقطرات الماء أن تسَّاقط متكاسلة من الحنفيَّة إلى حوض الغسيل كما رطبات تسَّاقط من نخيل مريم في انعدام الجاذبيَّة، ومن الحوض إلى السَّاقية، ومن عنقك إلى ظهرك وقوفًا تحت «الرَّشاش» في الاستحمام الصَّباحي، ومن النَّهر إلى الرَّافد، ومن القيامة إلى الطُّوفان، فأنت في حضرة أحد مشاهد فيلم «حنين» لأندريه تاركوفسكي.

لم تتساقط قطرات ماء في كل تاريخ الماء كما فعلت في ذلك الفيلم.

(38)

لقد كان ذلك شيئًا شبيهًا بالحُب، لكنه لم يكن حبًّا (وذلك أفضل لِهَسهسات النجوم).

(39)

في تلك البلاد يكثر الشُّعراء، ويقلُّ الشِّعر (ولا تتوافر إحصائيَّة دقيقة عن تفاقم أعداد الجواسيس).

(40)

غريب جدًا أمر هذا الخيط الواهي (أليس كذلك)؟ لقد جاء إلى هنا قبل أن تنجبني أمي.

(41)

الاكتئابُ زُعنفةٌ (الانتحار حلٌّ مؤقت فقط، وفي الماء فقط).

(42)

أتذكر بعض الأموات، وأقول إن موتهم كان خسارة كبيرة (لأنفسهم فقط).

(43)

حياة رقطاء، موت مُزَغَّب.

(44)

لا أحتاط للثَّكالى، وأنا أول الأيتام.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني