أنساغ.. لا أثق بالشَّمس إلا قُبيل الغروب
(1)
النوم ليس حاجة الجسد، بل رغبة الطُّرقات.
(2)
خطواتك أخطاؤك (انتبه: إنهم لا يتحركون).
(3)
منذ اليوم لا شراء لمزيد من الكتب من معارض الكتاب، ولا اشتراك في منصَّات سينمائيَّة جديدة، ولا مطالبة للأصدقاء بإعادة الكتب التي استعاروها ولم يعيدوها، ولا إحساس بالتَّبكيت حين يتردد اسم «كاتب مهم جدّا» في روتينيَّات «البرستيج» النِّقاشي وأنت لم تسمع به أصلا، ولا متابعة لآخر الإصدارات التي تعنيك في النقد السِّينمائي، ولا شعور بالخجل أمام رفوف المكتبة التي مُنِيَت بالطَّحالب، ولا بحث عن عذاباتك في أشجان كُتَّاب سبقوك أو سيأتون بعدك.
«أنت منذ اليوم» (إن كان يناسب أيُّ أحدٍ عنوان الرِّواية الوحيدة التي تركها تيسير سبول قبل أن يستأمن طلقة في رأسه).
منذ اليوم أنت كاتب.
ومنذ اليوم أنت بدوي: «إننا نعرف الأقل عن الأكثر، أما البدو فإنهم يعرفون الأكثر عن الأقل» (تِشوما جابرييل، «أفكار حول الجماليَّات البدويَّة والسِّينما السوداء المستقلَّة: آثار رحلة»).
(4)
لا يوجد الحياء إلا في كسرة الرَّغيف.
(5)
الذاكرة تحدث في كل لحظة مثل الماء والحجَر في أنأى عين في القرية.
(6)
الموت في فِراش بارد ينبغي ألا يذكِّر المرء بامرأة سعيدة
في الوادي نظرتُ إلى الطَّيف الغريب الذي لم ينتظرني
ولمحتكِ.
(7)
الليل ليس ظاهرة طبيعيَّة، بل هو ترنُّح أحدهم في رابعة النَّهار، في أكثر الشوارع ازدحاما (لكن في طوكيو وليس في نيويورك).
(8)
الكتابة (الطُّيور لا تكتب، بل تفعلُ العالم بالرِّيش والمناقير).
(9)
المرآة استحالة الوجه والسؤال الأكبر للرَّحيل.
(10)
أصابعي خرير، والماء عدم.
(11)
لا تكتب وأنت غاضب. اغضب حين تكتب.
(12)
الكتابة تفضح (من المؤسف للغاية أنها تفعل ذلك ببعض القرَّاء أحيانا).
(13)
كارثة: كل الناس لديهم نصائح واقتراحات لجعلي أعيش حياة سعيدة.
كارثة أكبر: أود أحيانا أن أصدِّقهم، وأستمع إلى نصائحهم، وأنفِّذ اقتراحاتهم.
(14)
هو حارس الذِّكريات الذي تخلَّص من آخر ذكرياته.
(15)
اللغة مكيدة تنجو من النَّحر في كل مرة.
(16)
ها قد انقضى يوم آخر من العمر. ها قد اقتربت الغيوم مخدَّة أخرى.
(17)
الطفولة أكبر إنجازات العَطَب.
(18)
الروح موجودة دوما في البكاء، والكتابة، وورش النِّجارة والخراطة.
(19)
هناك شيء سيئ واحد فقط في الإصابة بالصَّحة والعافية: المزيد من الانتظار.
(20)
انظري: لم يكن ذلك نيزكا.
(21)
الجسد أغنية الرُّعاف.
(22)
لم يعد العبث يكفي. لم يعد العدم يكفي. لم يعد الاكتفاء يكفي. لم يعد الواقع يستطيع أن يقول باقي الوقائع.
(23)
أيها الأرنب الضَّاري، أيها المدى المذعور.
(24)
اليقين بالكتابة مثل الثِّقة في الأطفال.
(25)
حتى مع جائحة كورونا وعقابيلها، أخفق الإنسان في اكتشاف أنه ليس وحيدا أبدا، لكنه معزول جدَّا عن الأرض وعليها.
حسن جدا، فلننتظر وباء آخر.
(26)
اللحظة الأكثر إنسانيَّة في وجودك هي تلك التي تشعر فيها أنك شخصيَّة في عمل سينمائي روائي حين تنظر الشخصيَّة إليك من الشَّاشة مستشيرة إيَّاك حول ما ينبغي عمله في المشهد التالي.
(27)
الحياة مستحيلة، لكن العيش في مكان ضيِّقٍ لا يتَّسع لسواك لا يزال ممكنا.
(28)
الغباء مؤهلات وحِرْفَة.
(29)
الغيبوبة؟ كلا، كانت تلك رائحتكِ الليمونيَّة فقط (ليمون يابس، بالمناسبة).
(30)
أكتب في كل يوم كلمة، أو اثنتين، أو ثلاث (كي لا يَحْدُثَ هذا اليوم مرَّة أخرى).
(31)
أهدروا ما أهدروا وهم يحفرون له القبر. لكنهم لم يستطيعوا أن يدفنوه، فقد مات واقفا.
(32)
كل هذا العمر خطأ ستكون محاولة تصحيحه غلطة أخرى.
(33)
ورقة في مهب الظَّهيرة، قُبلة تعصف بالرِّيح: لا يزال الشَّاعر يعمل.
(34)
يميع الجرح في الحديث عنه، أما كتابته فتجعله مجرد فكرة عامَّة متاحة للجميع (وهذه بالضَّبط هي الكارثة).
(35)
هذا الصُّندوق القديم سيبقى صندوقا قديما.
لا تفتحه، ولا تَسْهُ عنه، ولن تشقِّقه الأمطار كي تعرف السِّنين ما فيه.
(36)
يعيش المرء الحياة باعتبارها كوميديا بذيئة، حتى لو جاء آخر نَفَس مع المذبحة (الكارثة هي أن تضحك).
(37)
الخوف هو كل ما لا يشعر به غيرك.
(38)
الهواء محض ازدراع.
(39)
البوصلة رهينة الكُتُب، والنُّجوم اختفت.
(40)
في أول الأمر ونهاية المطاف لا يوجد الناس في هذا العالم من أجل أن يكونوا موضوعات عظيمة، أو ظريفة، أو سخيفة لزيد أو عمرو من الكُتَّاب والفنَّانين، والمبدعين، فما من شخص سويٍّ يطمح إلى أن يكون شخصيَّة. ولكن يوجد الناس، ببساطة، من أجل أن يعيشوا حياتهم سواء وُجِدَ زيد أو عمرو من الكُتَّاب أم لم يوجدا. ولذلك فإن على زيد وعمرو أن يهتمَّا بالمهم.
أظن أنه لا بأس من التأمل في ذلك وتذكُّره من حين لآخر.
(41)
أكتبُ في كل ليلة كما تفعل أفعى عجوز بآخر ضحاياها.
(42)
شقَّة في الدور العاشر: ليست هناك حريَّة أكثر من هذه (وفي هذا فإن أروى صالح هي خير الشَّاهدين).
(43)
أدخلونا إلى قاعة كبيرة خافتة الإضاءة لنلقي النظرة الأخيرة. أزاحوا الغطاء عن قدميه لكنهم لم يكشفوا عن وجهه.
(44)
أحيانا تكتب ما لا تعرفه عن نفسك، وفي أحايين أُخر لا تعلم كيف تكتب ما تعرفه عنك.
(45)
لا يمكن للخمر أن يكون محايدا (في الحقيقة، حتى الماء له مواقف).
(46)
للجسد حساسية وإيقاع في غاية التَّعقيد، ولذلك ينبغي ألا يتحكم بهما عضو واحد فقط: الرَّأس.
(47)
عظام الأموات تتحدث (وإلا كيف يحدث التاريخ للأحياء)؟
(48)
كل كلمة ندم. كل أمٍّ أرملة. كل زهرة صمت.
(49)
الشمس خير وآخر الاعتذارات
لا أثق بالشمس إلا قُبيل الغروب.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني