أنساغ: حسبُنا الصَّمت والزَّلازل من حين لآخر
(1)
أيها العاشق: لا أحد يتذكرك هنا.
أيها العاشق: لا أحد يريدك هناك.
أيها العاشق: لم يندم أحد هنالك.
أيها العاشق: ثمَّة قمر نصف معطوب سقط الآن في بحر مجز الصُّغرى.
(2)
غريبة أنت (خاصة في الكلام حين لا يعود غريبا ويصير وحيدا).
(3)
لا تأتوا إلى كلمة سواء (وإلا كيف سأستطيع أن أعيش بعد انفضاض السَّامر)؟
(4)
حياتي تعجبني هكذا (حتَّى الأعداء لا يتصوَّرون ذلك). وما هو أسوأ من ذلك: أتصور أن حياتهم لا تروق لهم في المخمل.
(5)
ليست القراءة متعة، بل بحث عن صدى الجرح.
(6)
في هذا القارب، لم تُوَّزع سترات النجاة والمجاديف بالتساوي في ذاكرة الشَّظف.
في هذا القارب نحن لسنا كلّنا معا في ذات المصير كما تردد الأفواه «الوطنيَّة» للغاية (لسنا جميعا من هرَّب الأموال إلى بنوك سويسرا، أو ابتاع قصورا في إسبانيا، وبريطانيا، وفرنسا، أو أنشأ نافورة زاهية للأسماك التي تسبح في منهوبات معادن في تلك الجبال).
لسنا جميعا في هذا القارب. في هذا القارب سيغرق من يغرق، ولن يغرق آخرون.
اسمعوا جيدا: لا تقولوا «نحن». اكتفوا فقط بـ «أنتم» (من حيث أنتم).
نحن لسنا جميعا في هذا القارب.
(7)
في مقدوري أن أحبك ساعة أخرى فقط مخافة أن يضمُّنا (أو لا يضمُّنا) قبر واحد في الواردات.
مقدوري كبير، وخوفي مُضاعَف.
(8)
في كل ابتسامة واسعة مصحوبة بكأسِ صِرْفٍ يستحضر أعضاءه فورا (ويبتسم، فورا، أيضا).
(9)
عيناك وافرتان، عَرَقُك التَّمر، خصرك القرية، خطواتك جزيلة، والَّليل أرمل.
(10)
رَشاهم الزَّعيم، قبَّلوا قدمي الزَّعيم، قَتَلَهم الزَّعيم، قَتَلوا الزَّعيم.
لماذا ينبغي عليَّ أن أهتم بذلك؟
(11)
وحيدٌ هو المرء في الزِّنزانة، والرَّحم، والكتابة، والحدائق العامَّة، والحُب، والهواء، وبين الأصدقاء والرِّفاق.
سوف يكون المرء وحيدا أكثر في الزِّنزانة، والرَّحم، والكتابة، والحدائق العامَّة، والحُب، والهواء، وبين الأصدقاء والرِّفاق.
كم هو وحيدٌ المرء من دون الحاجة إلى كل ما ذُكِر أعلاه.
(12)
«ليس بوسعك تدريب الموتى على الموت» (قاسم حدَّاد).
«ثمَّة موتى ينبغي قتلهم» (عبدالقادر الجنَّابي).
«دع الموتى يدفنون الموتى» (المسيح).
والعجيب الغريب أن هناك من يفعل شيئا آخر.
(13)
كنت أحتاج إلى تمجيدكَ كي أبقى (والآن لم يعد المجد بحاجة لأي مجد).
(14)
صار الكرام ينافسون اللئام.
(15)
يذهب الشُّعراء إلى القصر، ويأتي الموت على الشُّعراء، ويمتطي ممدوح عدوان سيارة «فولكس واجُن» برتقاليَّة اللون لا تستطيع أن تتحرك من مكانها إلى المقبرة.
(16)
لغاية الآن لم أستطع فهم كلمة «نسيان» (انصرف أيها القاموس إلى الماء).
(17)
يكدُّ الزَّعيم في البحث عن عَجَلات في الأرصدة.
(18)
تلك الثَّورة لم تأكل أبناءها (على غرار العديد من الثَّورات)، بل درَّبتهم وجعلت منهم تماسيح.
(19)
الإيضاح فقرٌ وغطرسة.
(20)
لا تُحَمِّل الموت ما هو أكبر من طاقته (وطاقتك).
(21)
اكتشفتهم البراميل (وكشفتهم).
(22)
العقاقير المُنَوِّمة والمضادَّة للاكتئاب ليست خدعة (لأنها لا تعرف أنها كذلك).
(23)
النَّوم موهبة («النِّسيان مَلَكَة»، نيتشه).
(24)
يُعَبِّد الضَّالون الطَّريق (طريقي ليس غبارا).
(25)
صَدِّق الشَّائعة (ما دامت الصُّحف لم توردها).
(26)
يتباهى القنديل بالفتيات الجميلات النَّاعسات (ثم يتماهى معهُّن).
(27)
لا تتشبَّث إلا بما يمضي، ودَع الباقي للباقين.
(28)
أخشى لو مِتُّ أن تتذكريني (ولذلك أحيا في البواهظ).
(29)
يا أيها الزعيم الراحل: لقد تزوَّجت أراملك الحاكم الجديد.
(30)
غريب جدا شأن هذا القمر: لقد رفع الرَّصيف إلى الشَّمس.
(31)
لا تحسن الظَّن بالشَّهامة في اليوم التالي.
(32)
نفخوه في محاولة تجنبهم الانفجار.
(33)
لا تفتك بمن فتكوا بك (واظِب على التَّمارين اليوميَّة الشَّاقة، فقط).
(34)
أصابهم النَّمل حين جاء النَّبي.
(35)
يُسرف علينا الحُفاة، وتُسرف علينا المصانع.
(36)
صوَّبتُ إلى صدره مباشرة، فسقط من أعلى النَّخلة. انشغلت قليلا وكان الغراب يستحم في حوض المزرعة.
نظرت إليه بغضب، ونظر إليَّ بكراهيَّة. ثم ارتأينا نسيان الموضوع بِرُمَّته.
(37)
ما أجملها/ ما أجملكِ في الغفلة.
(38)
يتجشؤون في الضِّحك، وفي الموت.
(39)
لا تشكر إلا القواقع والكفاف.
(40)
الحُصَيَّات حُجرة، وأنا استفزاز.
(41)
لستُ مضطربا. أنا لا أضطرب، بل أجزعُ فحسب (خاصَّة بين الأمواج، وعلى اليابسة، وفي الطُّرقات والذِّكريات).
(42)
لا تتقدم قبل أن تعرف مصب السَّاقية (الكمين الماثل ليس غرضه قتلك، بل التَّيقن من الماء والحنين).
(43)
زاهدٌ عن كل شيء، ولا أريد إلا شيئا واحدا فقط (سأخبركم به حين أعرفه، ويعرفني).
(44)
كل الذين ذهبوا إلى هناك لم يعودوا (فلماذا لا أذهب إلى هناك)؟
علينا الهرب من هذه البلاد إلى ذلك الوطن.
(45)
أيتها العين: احذري من ضوء كبير آتٍ من الأجداث، ومن غيبوبةٍ أخرى.
(46)
لا عليكِ أبدا (فقد تعلَّمت أن أجاور الذِّكريات، والأسماك الميّتة، والسَّأم).
(47)
يا «ف. ح»: كل ما مضى سيعود كي يسكنكِ في احتضار أكثر إيجاعا. كل ما مضى لن يكون فِراشا باردا، ولا نافذةً حزينة.
(48)
يقتلوننا في حفلات الشاي، وكذلك تقارير الهيئة الملكيَّة في موضوع استكشاف طُرق هجرة الجَراد من حضرموت إلى لندن في زمن اكتشاف النفط.
يقتلوننا في ما يحدث حتى الآن.
(49)
لن أُقاضي هذه الأرض (حسبُنا الصَّمت والزَّلازل من حين لآخر).
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني