أنساغ.. السِّكة ضائعة وعمياء كصنيعة الأشعار
(1)
الحياة ضربٌ من مسرح الهواة، وأسوأ أنواع الهواء.
(2)
الذي يأخذه النموذج والمِثال (ويُخْلِصُ لهما) هو العاجز عن أن يكون نموذجا ومِثالا (لنفسه، لنفسه فقط).
القاعدة التي يجب أن تكون هي أن تكون أنت مثالك وأنموذجك (أنت وحدك فقط، فقط)؛ هذا، طبعا، إذا كنت قادرا على مرارات التضحيات (وهي، للأسف ولحسن الحظ، ليست قليلة أبدا).
"إن التشابه للرمال/ وأنت للأزرق" ("أحمد العربي"، محمود درويش).
(3)
في الفيلم الروائي الطويل "إيما" (من إخراج بابلو باريين، تشيلي، 2019)، وهو نظرة ثاقبة ورائية لميكانيزميَّات السُّلطة في العلاقات الجنسيَّة، وتجليات الطغيان في العلاقات العائليَّة، وتسرُّب السلطة السياسية في ما هو غير مرئي مباشرة منها في تشيلي المعاصرة، هناك نار كثيرة، وذلك مفهوم تماما لأن الطفل في الفيلم مصاب بمرض "البارومينيا" (النزوع الذي لا يقاوم لإضرام النار في الأشياء) والذي ينقله إلى أمه بالتَّبني، والذي -- أي الطفل -- لا يظهر إلا نادرا على الرغم من إنه محور الفيلم (والفيلم، في أية حال، ينتهي بلقطة للأم بالتَّبني وهي تعبئ عبوة بترول كبيرة من محطة وقود من دون أن نعلم من سيحيق به الحريق بالضبط، وإن كنت أعتقد أنه سيودي بالجميع بغض النظر عن مقدار حسن النيَّة أو سوئها في ما ظهر من بوح الفيلم الذي تحدث آخر لقطاته قبيل الجحيم). ولأن بطلة الفيلم مدرِّسة رقص فلا عجب في أن يكون هناك الكثير من الرقص في الفيلم أيضا.
لكن كيف يستطيع شخص مثلي لا يفهم شيئا على الإطلاق في فن الرقص (خاصة الرقصات التي تؤدى في تشيلي وبقية أمريكا اللاتينيَّة) أن يشعر بأن السرد السينمائي في هذا العمل رَقْصِيٌّ؟
ترى، هل أتحدث هنا عن العلاقة بين الشكل والمضمون؟ نعم، إني أعتقد ذلك.
(4)
قول متأخر جدا للأب، وعِلم القتل، والأنثروبولوجيا، والأم، وفنُّ الوأد، والسوسيولوجيا، والإخوة، وعلم الحشرات، والأخوات، وعلم الأفلاك، والرفاق، ودروس الثورات، وكل علوم التهجين:
"أنا آخر" (آرثر رامبو).
(5)
أمثالنا، في تلك البلاد، لا يجرؤون حتى على التفكير بفضيحة تخصُّهم وحدهم. في الحقيقة، أمثالنا في تلك الديار هم الفضيحة.
(6)
ستأتي حاملات الطائرات إلى هنا
ستشق المسافة بين الخيمة والقصيدة
ستأتي حاملات الطائرات إلى غرفة النوم
وستشحذ خناجر أشقائك
والقُبل الموغلة في العمائم والآبار
وبعض ما فعلته بنات خالتك وأبناء عمومتك
ستأتي حاملات الطائرات
سيتفصد القيح من الهواء
ويتدفق الحليب من الفضيحة
ستأتي حاملات الطائرات
ولن تقدر على كتابة قصيدة بين البحر والوداع
ستأتي حاملات الطائرات
وسوف تحوم الفراشة على جبينك.
(7)
لا تورِّط أحدا في حربك. عليك أن تكون جديرا بها من دون أي إسعاف أو سند (إذا ما احتجت إلى العون من أحد فمن الأفضل لك رفع الراية البيضاء).
وإن لم تكن جديرا بالحرب لوحدك فلماذا لا تعلن الاستسلام منذ البداية كي يشمت الأعداء وينصرف الأصدقاء كل إلى حال سبيله من دون الحاجة لأي عناء قادم؟
(8)
المَعْقِل الأقوى للمقاومة ليس الانتقام الفوري العفوي، أو الطائش، أو المتهور بسبب الانفعال الآني، أو حتى ردَّة الفعل الفائرة؛ بل التريَّث الحكيم (الماكر تقريبا) والانتظار المثابر في الزمن الذي سيقول/ سيفعل كل شيء.
(9)
في ما يخصني: الغرب منفى وغربة، والشرق لا يستطيع أن يكون وطنا (لا بأس من تكرار هذه البداهات في قول ما لا يعني ولا يفيد أي أحد).
(10)
الحب أعظم الأشياء لأنه الأكثر عطاء ومقاربة في التضحية والأقصى مقارنة ممكنة للندم: أن ترغم شخصا آخر على أن يعيش مُكرَها في تعاستك وشقائك (وهذا ليس طيبا، وسيزعج ضميرك إلى أن تموت، إن كنت تتمتع بالحد الأدنى من الضمير، ومن الحب).
لا فائدة في الحب، لا داعي للحب، ومن الخطأ بمكان إيذاء الآخرين بوازع الحب.
(11)
حتى الضحك ليس أكثر مهنة ركيكة قادمة من بلاد بعيدة لا بد من زيارتها (مرة واحدة فقط، وأخرى فقط).
(12)
من قراءة الكتب التي تنفع (كتب الفلسفة، النقد الأدبي، التاريخ، السياسة، نظرية السينما، إلخ) إلى قراءة الكتب التي تُمْتِع (كتب السير الغيريَّة والذاتيَّة، الخواطر، الرسائل، الرحلات، تواريخ المقاهي والحارات والحانات، إلخ).
(13)
الحب يأتي ويذهب، أما نحن فباقيان ولو إلى أجل.
ترى، هل أدركتِ حجم الكارثة؟
(14)
فلتحضروا له الهدايا هذا الأب
فلتجلبوا له أرائك السندس ووسائد الحرير
فلتقودوا له فيلا وطيرا أبابيل
ورمحا من مخلفات روما
فلتضعوا بين يديه كتابا يقرأه الحكماء والسابلة
فلتطعموه الشحم والمراثي
ولتقولوا له:
ها قد جاء ولدك أخيرا
ها قد مضى ولدك أخيرا.
(15)
في كل مرة أبدأ من جديد، ولا أولد من جديد في كل مرة.
(16)
هذا الصباح يريد صباحا آخر.
(17)
الكارثة المضيئة: سيتكفل التاريخ بجميع من ذكروا أعلاه (أقصد، أولئك الذين لن أذكرهم أدناه).
(18)
يا له من فرق شاسع جدا بين أن يكون العمل الفني بسيطا بعمق، وأن يكون تبسيطيَّا بحمق.
(19)
لم يعد الملكوت، ولا الفردوس، ولا السماء، ولا الأعراف، ولا الجحيم حقا ولا واجبا للجميع، بل أصبح كل شيء، وكل أحد مِلْكَ نفسه فقط.
(20)
الانتحار ليس الموت. الوفاة فقط هي الموت.
(21)
في التقاط الصور الذاتيّة (السِّلفي) شيء من الاستمناء.
(22)
صرت أخاف كثيرا من هذه المرأة: إنها تشبهني (أو أنا أشبهها) لدرجة كنت أتمنى لو كانت أقل.
23))
لم أكن أعلم أنه لقاؤنا الأخير إلا بعد أن انحسرت الأمواج عقب ألف عام.
24))
عيناكِ
لكن السِّكة ضائعة وعمياء كصنيعة الأشعار.