أعيش الحلم
قبل سنوات قرأت كتابا بعنوان «أربعة أيام عمل في الأسبوع» للكاتب تيميثي فيريز الذي تقاعد في الثلاثين من عمره، وكنت كثيرا ما أضع الكتاب جانبا أثناء القراءة لأستغرق في أحلام يقظة طويلة، ماذا لو استطعت أنا أيضا عيش هذه الحياة التي يصفها الكاتب، وأعيش حياتي متنقلة حول العالم أمارس عملي من أي بقعة من هذا الكوكب، من دون قيود.
من حسن حظي أنني أعيش في بلاد تتيح لي صرف معاش قبل بلوغ سن التقاعد المتعارف عليه دوليا وبمجرد استيفاء شروط مدة الخدمة. نعمة لا شك أنها عظيمة لا أفتأ أحمد ربي عليها، إذ لم تمض مدة طويلة على ذلك حتى وجدتني أكتب رسالة استقالة من عملي، مدفوعة بذلك الحلم بأن أعيش حرة طليقة، أمارس العمل الذي أحب، في الوقت المناسب لي.
والحقيقة أن الشجاعة لم تواتني لاتخاذ القرار فجأة، فقد احتجت إلى جائحة كورونا لدفعي لاتخاذ القرار، أثناء جلوسي يوما في بلكونة غرفتي المطلة على حديقة المنزل الصغيرة، التي باتت مزارا للطيور منذ الصباح الباكر يشاطرنني نسمة الصباح تلك، ويتحفنني بأصواتهن التي كانت تداعب حواسي مع نسمة مسقط الجميلة، أمارس عملي عن بعد، أكسر روتين العمل بالتجول في أرجاء البيت. استيقظت في أحد الأيام وصوت داخلي يحثني على كتابة الاستقالة، حاولت إسكاته لكنه كان أعلى من أن أتجاهله.
أعود بذاكرتي لذلك اليوم وأنا أحضر لجلسة قراءة أديرها أسبوعيا، فيلفت الكاتب انتباهي إلى ألطاف ربي الخفية، التي يسخّر من خلالها الناس والظروف لتحقيق أمنيات، ظننا حينها أن من المستحيل تحقيقها، إذ أذكر بأنني وأنا أسرح بعقلي في أحلام يقظة جميلة عن اليوم الذي أستطيع أن أعيش فيه الحياة التي يصفها الكتاب، بأن ذلك لا يمكن أن يحدث في بلادي، وإن حدث فإنه سيتطلب عقودا طويلة.
تم تطبيق أربعة أيام عمل في بعض الدول، وطبق العمل عن بعد في كثير من الدول من ضمنها بلادي، وأصبحت أعيش الحلم الذي نسيت أنني حلمت به ذات يوم، حتى ذكرني به ذلك السطر الذي قرأته أثناء التحضير للجلسة، لأدرك حجم الأمنيات التي تحققت بفضل اللطيف الخبير رغم أنني نسيتها.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية