7 أيام
سبعة أيام.. هي ما تبقى على بدء فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب وفتح أبوابه للقراء والمثقفين وعالم الكتب الخلّاب، سبعة أيام تفصلنا عن الحدث الأبهى والأبرز لعشاق الكتب والقراءة، سبعة أيام تذكرنا بمرور عام كامل على آخر نسخة من المعرض، سبعة أيام تمثل للبعض يوم الميلاد الحقيقي لهم مستبدلين إياه بيوم ميلادهم الطبيعي، وللرقم سبعة دلالته الدينية والميثولوجية الساحرة.
لا شيء يشبه حميمية المعرض وأهميته لدى القراء فيما أحسب، وفي ظل الأوضاع العالمية الحالية والركض التكنولوجي اللاهث؛ يتصدر سؤال الجدوى والمآل مقدمة التساؤلات المشروعة للمثقف والاقتصادي والسياسي والمواطن العادي. فما الجدوى من معرض الكتاب؟ وهل لا تزال الكتب الورقية محتفظة بأهميتها؟ هل يستطيع المثقف اليوم شراء الكتب؟ هل تنطفئ جذوة القراءة والنشر على السواء؟ هل سيصمد الكتاب الورقي أمام تسونامي المد التقني الجارف؟ أم أن هذا المد الوحشي سيبتلعه قريبا؟ سؤالات مشروعة منبعها القلق والترقب والحيرة.
للمعارض والمهرجانات واللقاءات الثقافية مكانتها التي لا ينتطح فيها عنزان، ولئن رجعنا بذاكرتنا قليلا إلى فترة الفيروس المشؤوم -كوفيد- سنتذكر تلك اللهفة والتعطش للقاء إنسان آخر؛ أيّ إنسان كان!. تلك اللهفة المتجذرة في النفس البشرية للقاء أقرانها، والتي جعلت الفلاسفة يصفون هذا الكائن الحي بأنه مدنيٌّ بالطبع وبالضرورة. فالمعرض حاجة إنسانية أولا، وحاجة ثقافية أيضا؛ وأما تقديم الإنسانية على الثقافة فإنما هو من باب تقديم السبب على النتيجة. ورغم المد التكنولوجي الهادر، لا تزال الكتب الورقية مفضلة وبفرق ساحق على نظيراتها الإلكترونية، ولا تزال نشوة تحسس الكتاب الورقي لدى القراء مفضلة على الطبيعة النفعية للكتب الإلكترونية، فالكتاب الورقي يمثل قيمة معنوية معرفية، أما نظيره الإلكتروني فمقتصر على القيمة المعرفية فحسب؛ لكن هل سيصمد الكتاب الورقي طويلا؟. لم تعد صناعة الورق مقتصرة على الأشجار المقطوعة، ولهذا السبب تحديدا ظن القراء جميعهم أن أسعار الكتب ستظل في المتناول! لكن سلسلة العمل الرأسمالي لا تقتصر على المواد الخام والمنتج، بل صارت سلسلة الشحن والتوريد مقدمة على المنتج نفسه، فما الجدوى من منتج لا تستطيع إيصاله إلى المستهلك؟ نعم، الكتاب منتج كما المنتجات الأخرى في الحياة، الخدمات، المرافق، الطعام والشراب؛ كل شيء غدا منتجا بما في ذلك الإنسان ذاته!. ثم إن إنسان اليوم، بمشتتاته الهائلة وآثار التسارع التكنولوجي؛ لا يجد بدا من التضحية بإنفاق شيء من صحته ليحصل على ما يريد، فلكل شيء مقابل وثمن. وقد تكون الكتب الإلكترونية بديلا عن الورقية عند استحالة توفر الأخيرة، لكن لذلك ثمنه الصحي البالغ كذلك.
في عصر العولمة والقرية الواحدة، أصبح كل شيء شموليا؛ فلم تعد فائدة عمل ما مقتصرة على ذلك العمل فحسب، بل تشمل كل شيء تقريبا، وهو أمر له محاسنه ومثالبه في آن. ففي ظل البطالة المدمرة، وجد أصحاب الهمة الفائدة في مثل هذه التظاهرات المجتمعية الكبيرة، منتهزين فرصة العمل -وإن كان جزئيا- في أشغال مختلفة تؤمن لهم فرصة الحصول على مردود مالي وخبرة جيدة في التعامل مع الناس والتجار على السواء. بل إنني أزعم أن عملية البيع والشراء وتعامل المرء مع أطياف مختلفة من المجتمع لها منافع في تكوين شخصية الفرد أكثر من غيرها، ولها منافع أكثر للمثقف والمؤلف؛ فهذا الأخير لا يكتب إلا ليُقرأ، ولا يُقرأ إلا إذا كان ما يكتبه يلامس النفس البشرية أو الحاجات الإنسانية اليومية. سبعة أيام؛ ونلقى الأحبة والأصحاب والمؤلفين في أجمل مهرجان ثقافي على الإطلاق، وأجمل تظاهرة ثقافية تجمع أطياف المجتمع بأسره وتجمع المثقف بنظرائه من العرب والشعوب الأخرى، سبعة أيام وتصبح مسقط القبلة الثقافية العربية، بأبهى حلة وأجمل تاج.