إبراهيم محمد أحمد -
الإسلام هو دين الله العظيم ورسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتمة الرسالات، وقد ضمنها المولى عز وجل كل ما يكفل سعادة الناس وأمنهم، وما من مشكلة من المشكلات التي تؤرق حياة البشرية إلا ووضع الإسلام لها من الحلول ما يكفل سعادة البشرية وأمنها، ومن تلك المشكلات مشكلة الفقر فقد حاربه الإسلام وضيق عليه الخناق ووضع للناس حلولا تنتشلهم من براثنه، ومن وسائل الإسلام في محاربة الفقر: أولا: تصحيح الأفهام حول هذه المشكلة فقد صحح الإسلام النظرة إلى الفقر فإنه يخطئ من يعتقد أن شرائع الإسلام تحض على الفقر أو تشجع عليه، كلا، فإن من يعتقد ذلك فقد أساء إلى دين الله الحنيف، وإن ما ورد من آيات وأحاديث تحض على الزهد في الدنيا وعدم الجري وراءها والإقبال على الآخرة لا تعني أبدا الرضا بالفقر والمعيشة الدون والحياة الهون، بل جاء الإسلام بهذه النصوص ليهذب من طبع الإنسان الشغوف إلى المال والجاه والسلطان، وإن الإنسان لو ترك لشرهه وطمعه وحرصه لكان خطرا على نفسه ومن حوله، ومن هنا جاءت هذه النصوص تحض على الرضا بما قسم الله تعالى وعدم النظر لما في أيدي الآخرين، حتى يسعد بما آتاه الله تعالى، ومن تصحيح الفهم حول مشكلة الفقر اعتبر الإسلام الفقر خطرا على العقيدة فإنه يجعل الإنسان يشك في عدالة السماء في قسمتها بين الناس، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- (كاد الفقر أن يكون كفرا)، واعتبر الفقر خطرا على الخلق والسلوك، وينبه لذلك --صلى الله عليه وسلم-- فيقول: (إن الرجل إذا غرم -أي ثقل عليه الدين- حدث فكذب ووعد فأخلف )، والفقر خطر على الفكر الإنساني، فالفقير الذي لا يجد ضرورات الحياة كيف له أن يفكر تفكيرا سليما فضلا عن أن يفكر تفكيرا إبداعيا. يروى عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: (لا تستشر من ليس في بيته دقيق)، لأنه مشتت الفكر، والفقر خطر على الأسرة من ناحية التكوين، فالشاب الفقير يصعب عليه تحمل تكاليف الزواج، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله)، وكذلك يؤثر على استمرارها فالزوج الفقير الذي لا يقدر علي النفقة على زوجته يفرق بينهما ولا تدوم العشرة بينهما؛ وذلك بسبب الفقر بل إنه من العجب أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون أولادهم من الفقر أو خشية الفقر. قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق).
وفي آية أخرى: (من إملاق)، والإملاق هو الفقر، ولكن كيف وضع الإسلام الحلول لهذا الخطر المحدق؟ إن أول علاج عالج به الإسلام مشكلة الفقر هو أنه صحح النظر في أفهام الناس لهذه المشكلة، فأنكر على الذين يرون في الفقر منحة إلهية وهبة قدسية للتفرغ للعبادة واعتزال الحياة، فالله سبحانه وتعالى يمتن على نبيه --صلى الله عليه وسلم-- فيقول: (ووجدك عائلا فأغنى)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله تعالى الغني كما يسأله التقى ويستعيذ من الفقر ويقرنه بالكفر فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر لا إله إلا أنت).
ثانيا : جعل من العمل والمشي في مناكب الأرض سببا للنجاة من هذا الخطر المحدق، فقال سبحانه وتعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)، وحث على التجارة والزراعة والصناعة وغيرها من المهن والحرف فقال -صلى الله عليه وسلم-: (التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء)، وقال أيضا: (ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)، وقال: (من بات كالا من عمل الحلال بات مغفورا له)، ولكن ماذا يفعل أيتام فقدوا عائلهم أو أرامل فقدوا أزواجهم، وما ذنب من عجز عن العمل لكبر أو إصابة أو ما شابه. هنا تأتي وسيلة الإسلام الثالثة في الحماية من الفقر وهي كفالة الموسرين من الأقارب، فلو أن كل غني في قبيلة أو عائلة تعهد الفقراء والمحتاجين في قبيلته أو عائلته لم تجد من يشتكي، فقد وصى المولى جل وعلا على أولي القربى وصلة الأرحام، فقال سبحانه (وآت ذا القربى حقه)، وقال أيضا: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام )، وقال --صلى الله عليه وسلم--: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه )، فأي معنى لصلة الأرحام إذا رأيته يتضور جوعا وعطشا أو لا يجد دواءا أو لا يجد مأوى وأنت قادر ميسور ثم تتركه على ما هو فيه، فإن لم تكن هذه قطيعة رحم فما القطيعة إذن. قال --صلى الله عليه وسلم--: (يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك)، فإن لم يكن في الأقارب من يحنو أو يجود فهنا تأتى وسيلة الإسلام الناجعة في اقتلاع الفقر من جذوره معجزة من معجزات هذا الدين الخالد الدالة على أنه من عند الله الحكيم العليم ألا وهى ركن الإسلام الثالث الزكاة فقد عنيت بالفقراء بلا ثورة منهم ومطالبة بحقوقهم من فرد أو جماعة وجعلها أمانة في عنق الدولة تحارب من أجلها، وقد كان فعلا فقد جيشت الجيوش من أجل حقوق الفقراء في عهد أبي بكر -رضي الله عنه-، وجعلها أيضا في ضمير المؤمن، فحيثما لم يجد دولة تقوم عليها بادر هو لإخراجها طلبا لرضا ربه جل وعلا، وهي حق معلوم في مال الأغنياء يصرف لأصناف معلومة حددها الله تعالى في كتابه بنفسه، ولم يترك أمر تقسيمها لأحد، والمقصود الأعظم منها الفقراء والمساكين. قال سبحانه وتعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، والعلماء يقولون في القدر الذي يعطى للفقير منهم من قال: إنه يعطى ما يغنيه العمر كله، وليست بضعة دريهمات توضع في يده لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن العلماء من قال: إنه يعطى كفاية سنة؛ لأن الزكاة إنما تؤخذ وتجمع كل عام فيعطى الفقير منها ما يكفى لمدة عام، ولقد فهم البعض أن الزكاة إعانة للناس على البطالة والقعود عن العمل، كلا، فإنه لا حظ في الزكاة ولا نصيب لإنسان سوي قادر على الكسب. قال ذلك رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- في بيان: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي )، والمرة أي القوة والشدة، والسوي أي المستوي السليم الأعضاء، ومن عظمة الإسلام أيضا أنه أوجب حقوقا في المال غير الزكاة، ومن ذلك حقوق الجوار، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم)، والأضحية في عيد الأضحى واجبة على الموسر في بعض المذاهب وسنة مؤكدة في أخرى، والكفارات كفارة اليمين والظهار والجماع في رمضان وفدية إفطار الشيخ الكبير في رمضان والهدي في الحج، ثم بعد ذلك تأتي الصدقات التطوعية والإحسان الفردي؛ طلبا لرضا المولى سبحانه وتعالى؛ فالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وهناك مفخرة أخرى من مفاخر الإسلام ألا وهى الصدقة الجارية (الوقف الخيري). روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضا من أرض خيبر، فقال: يا رسول الله أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منها فقال -صلى الله عليه وسلم- (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)، فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضعيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول، وقد تتبع المسلمون حاجات المجتمع مهما دقت وخفيت فوقفوا عليها الأوقاف حتى أوقفوا على علاج الحيوانات وإطعام الكلاب الضالة.