منذ أن خلق المولى - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتى مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية. فهو قبل أن يحرم أو ينهى عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه ... وعلي مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة عالجها في ضوء القرآن والسنة. يذكر الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب «خلق المسلم» أن من نقائص الأخلاق البذاءة وهى التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، أو هي كما عرفها البعض عبارة عن الفحش والقبح في المنطق، وإن كان الكلام صدقا. ويدخل الفحش أيضا والبذاءة في ذكر النساء، والكلام عنهن، فلا يقال: قالت زوجتك کذا، بل يقال: قيل في الحجرة، أو من وراء الستر، أو قالت أم الأولاد، فالتلطف في هذه الألفاظ محمود، والتصريح فيها يفضي إلى الفحش، وكذلك يدخل أيضا في ذكر العيوب التي يستحيا منها، فلا ينبغي أن يُعبر عنها بصريح اللفظ ، فلا يقال: فلان الأبرص والأقرع، بل يقال مثلاً: فلان الذي به العارض الذي یشکوه، وهذا کله یختلف باختلاف البلاد، وأوائل هذه الأشياء مکروه، وآخرها محظور، و بینها درجات یتردد فیها. وقد وردت الكثير من الآيات التي تذم البذاءة وتعيبها: ومنها قوله تعالى: (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)، (سورة النساء الآية: 148)، وقال تعالي: (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)، (سورة الممتحنة الآية: 2)، وقال سبحانه بشأن الإفك الذي جاء به ابن سلول المنافق: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)، (سورة النور الآيتان: 15، 16)، وقال سبحانه عن المنافقين: (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)، (سورة الأحزاب الآية: 19). وفي الحديث: (من الكبائر: شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟!، قال: (نعم، يسبب أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه، فيسب أمه)، (رواه البخاري ومسلم). وفي الحديث: (الصيام جنة -وقاية- فلا يرفث -الکلام الفاحش-، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم، مرتين)، (الحديث رواه البخاري ومسلم) . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: (ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه)، (رواه أحمد و ابن ماجة والترمذي و حسنه). وفي الحديث: (إن الفحش والتفاحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن خير الناس إسلاما أحسنهم خلقا)، (رواه أحمد وأبو یعلی). وقال الأحنف بن قيس: (ألا أخبركم بأدوا الأدواء: اللسان البذيء، والخلق الدنيء). وقال الإمام الغزالي –رحمه الله- في كتاب «إحياء علوم الدين»: (إن السب والفحش وبذاءة اللسان مذمومة، و منهي عنها، ومصدرها الخبث واللؤم، والباعث عليها إما قصد الإيذاء، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق وأهل الخبث واللؤم؛ لأن من عادتهم السب، ومواضع ذلك متعددة، ويمكن حصرها في كل حال تخفى ويُستحيا منها، فإن التصریح في مثل هذه الحال فحش، وینبغي الکنایة عنها، وأکثر ما يکون في ألفاظ الجماع وما يتعلق به، فإن لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها، وأما أهل الصلاح فإنهم يتحاشون عنها، بل يكنون عنها، ويدلون عليها بالرموز، فيذكرون ما يقاربها ويتعلق بها، ألم تر أن الله عز وجل كنى باللمس عن الجماع، ولذلك فإنه تُستعمل ألفاظ مثل المس واللمس والدخول والصحبة، كما يكون الفحش والبذاءة أيضا في حال قضاء الحاجة، فإن استعمال البول والغائط أولى من استعمال لفظ التغوط والخراء. وأيضا ورد في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تذم البذاءة وتنهي عنها ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلي الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)، (رواه أحمد والحاكم وصححه الترمذي). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)، (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح). وعن أبي هریرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاءة من الجفاء، والجفاء في النار)، (رواه الحاکم وابن حبان والترمذی، وقال: حسن صحیح). وورد : (حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا) (رواه أحمد والطبراني)، أي: ينطق ببذيء الألفاظ. وفي الحديث: (لا تسبوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا، ألا إن البذاء لؤم)، (أخرجه النسائي). وفى الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (إن شر الناس من تركه الناس -أو ودعه الناس- اتقاء فحشه)، (رواه البخاري ومسلم). إن الخصومة تجر البعض إلى البذاء، وهى دليل قلة الحياء، وضعف الإيمان وخبث الطوية، وتؤدي إلى الهوان على الله، وإلى إشاعة الفاحشة والتفحش في المجتمع، والعاقل هو الذي ينظر في عواقب أمره، ولا يستخفه الطيش، ولا يحمله الغضب وهوی النفس علی أن یورد نفسه موارد الهلة.