سمير عواد -
في مرحلة تشهد ألمانيا حالة من الغليان في ألمانيا الشرقية بسبب محاولة اليمين المتطرف الألماني السيطرة على الشارع في ولاية «زاكسن»، واستغلال مقتل مواطن ألماني على ما يبدو على يد لاجئ عراقي لا أحد يعرف تفاصيل ما حدث.
ظهر «تيلو تسارازين» وزير المالية الأسبق في الحكومة المحلية لولاية برلينو العضو السابق في إدارة المصرف المركزي الألماني، المعروف بآرائه وكتاباته الشعبوية المعادية للأجانب والإسلام، ليقدم كتابه الجديد تحت عنوان «استيلاء عدواني». ويكفي العنوان ليدل أن تسارازين، لا يتحول إلى كاتب شرير وحقود فور بدئه الكتابة، وأنه يعيش هاجس الحقد على الأجانب والمسلمين بالذات. ومن المخجل والمؤسف أنه يجد في ألمانيا وسويسرا والنمسا ودولا أخرى، من يقرأ كتاباته السامة ويستند إليها بعد تبنيها رغم عدم صحتها وتفنيدها من قبل المثقفين. يعرف “تسارازين” أن المجتمع الألماني أصبح يضم فئات واسعة من العنصريين، وهؤلاء يحتاجون إلى موجه إيديولوجي وأن يقوم بدور العنصري الأمريكي “ستيف بانون” الذي ساعد دونالد ترامب في الفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وطرح نفسه ليكون “بانون” ، الألماني خاصة وأنه تجمع بينهما صفات كثيرة.
قبل ثمانية أعوام أصدر “تسارازين” كتابا عنوانه “ألمانيا تدمر نفسها” وكانت رسالة هذا الكتاب، أن المهاجرين الى ألمانيا ، وخاصة العرب والمسلمين، عاجزون عن الاندماج في المجتمع الألماني ، وأن الجهل منتشر في دمائهم. ومثلما حاول “تسارازين” دق إسفين ، ونسف التعاون السلمي بين المهاجرين والألمان، فإن كتابه الجديد يرمي لهذا الهدف ، وهو محاولة جديدة لمواصلة الرسالة التي يحملها وهي نشر الحقد في نفوس الألمان، حيث إن الكتاب يتضمن انتقادات للقرآن الكريم، وبحسب جميع الصحفيين والكتّاب الألمان الذين قرأوا الكتاب فإن كافة الأحكام التي يتضمنها عارية عن الصحة ، ولا تختلف عن كونها نموذجا للأفكار المحرضة والمغالطات التي يتداولها العنصريون الألمان ، لتبرير عدائهم للإسلام. وعن حق وصفت غالبية وسائل الإعلام الألمانية كتاب “تسارازين” الجديد بأنه ساذج وسخيف ويكشف عن جهل مؤلفه المثير للجدل بالقرآن والإسلام.
لقد كان واضحا عندما اختار “تسارازين” أن يكون القرآن الكريم موضوع كتابه الشعبوي الجديد، أنه ليس بحاجة إلى قراءة ملمة للقرآن الكريم ، والبحث عن شيء يستطيع انتقاده. إذ كان يكفيه كتابة الأفكار التي تُرضي العنصريين في ألمانيا والغرب، لذلك رغم زعمه أنه قرأ القرآن وهي تجربة “ أزعجته” على حد قوله، فإن هدفه كان رفض الإنجازات التي حققها الإسلام في الغرب وهي التي جمعها مستشرقون ألمان، واعتبروها في كتبهم ومؤلفاتهم، ذات فضل كبير على الغرب، مثل المستشرقة الألمانية الراحلة “زيجريد هونكه” التي وضعت كتابا بعنوان “شمس الله تسطع على الغرب”.
ولا يُعتبر كتاب “تسارازين” الجديد الذي يرمي إلى تعميق الانقسام داخل المجتمع الألماني مفاجأة لغالبية المراقبين، فكتابه السابق “ألمانيا تدمر نفسها” الصادر في عام 2010 كان هدفه أيضا تعميق هذا الانقسام. ولكن في هذه المرحلة حيث أصبح الشعبويون جزءا لا يمكن تجاهله في مسرح السياسة الألمانية، يريد “تسارازين” صب الزيت على النار بشكل أكبر . ويزعم كما يقول العنصريون والشعبويون الألمان والأوروبيون أن المسلمين يسعون للهيمنة على أوروبا، ولهذا فإنه يثير القلق لأن المسلمين سوف يدمرون الإنجازات التي حققها الأوروبيون على حد زعمه.
ويمكن القول إن وسائل الإعلام الألمانية وقفت موقفاً مشرفا من الكتاب الجديد، وسارع الصحفيون والكتاب المختصون في شؤون العالم العربي والإسلامي في تفنيد مزاعم “تسارازين” ، واتهموه بأنه تعمد الإساءة إلى الإسلام ، وليس أدل على ذلك أن دار النشر الألمانية “دي.فاو.إي” رفضت طبع الكتاب بالمحتوى الذي يريده “تسارازين” ، واعتبرته غير صالح للنشر. وقال “توماس راتيناو” صاحب دار النشر المذكورة ، أنه أمضى يومين يقرأ مسودة الكتاب وتبين له أن هدف “تسارازين” هو إلحاق سمعة سيئة بالإسلام ، واعتباره دينا يدعو إلى العنف ، وأن القرآن سبب كل بلاءات العالم على حد زعمه ، وأن المسلمين أعداء للعلم والتقدم وأعداء للديمقراطية وهذا ادعاء غير صحيح بالمرة ، مما جعل “تسارازين” يرفع دعوى ضد دار النشر التي نشرت كتبه السابقة وكلف دار نشر أخرى بنشر الكتاب ، وكانت هذه هزيمته الأولى. الهزيمة الثانية يطالع “ تسارازين” تفاصيلها هذه الأيام عبر وسائل الإعلام الألمانية ، التي اعتبرت الكتاب ساذجا وهزيلا لا يستحق النقاش. وبرأي الصحفي الألماني “راينر هيرمان” المختص في شؤون العالم الإسلامي ، في صحيفة “فرانكفورتر ألجماينه” ، أراد “تسارازين” استغلال الأحكام المسبقة المنتشرة في الغرب التي تُحمّل المسلمين مسؤولية الحروب والنزاعات والاعتداءات التي وقعت في دول غربية، ليدعّم حملته الجديدة ضد الإسلام، لكنه أخفق لفشله الذريع في فهم المعنى الحقيقي لما جاء في القرآن الكريم.
في عهد “ترامب” و”بانون” وصعود الشعبويين في ألمانيا، قد يجد كتاب “تسارازين” من يقرأ كتابه الساذج ، لكن هناك من يتمنى للكتاب مصيرا مثل ما تعرض له كتابه السابق “ألمانيا تدمر نفسها”. فقد قرأ “مارتن تسيت” ، وهو فنان ألماني من أصل شيشاني الكتاب المذكور بعد عام على صدوره وخطرت على باله فكرة جمع 60 ألف نسخة وإعادة تدويرها ليتم استخدامها في مشروع آخر يعود بالنفع على مؤسسات خيرية. وكون أن مواقف “تسارازين” لتعميق الانقسام في المجتمع الألماني وإثارة الفتن بين المهاجرين والألمان، طلب قياديون في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه أن ينسحب من الحزب . ويرى كثيرون منذ وقت أن انتماءه الحقيقي هو إما الى حركة “باجيدا” العنصرية ، أو الى حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي.