لترفرف المودة والرحمة بينهم - عرض: سيف بن سالم الفضيلي - تحث خطبة الجمعة اليوم على جعل خلق الرفق مصاحبا للناس في حياتهم، والحرص على التلطف بالخلق في جميع التعاملات، ليرفق الله بهم في سائر أحوالهم. ونبّهت إلى أن دعوة الناس إلى سبيل الحق محـتاجة إلى الترفق، وأن تعـليم الناس الخير محـتاج إلى التلطف؛ لذلك أمر الله تعالى من يدعون إلى سبيله أن تكون دعوتهم سالكة سبيل الحكمة والرفق. وأوضحت الخطبة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المعنونة (ما كان الرفق في شيء إلا زانه) إن خلق الرفق ينبغي أن يكون حاضرا بيننا في جميع الأحوال، في المنشط والمكره، في العسر واليسر، وكذلك في جميع جوانب حياتنا وتعاملاتنا. مشيرة إلى أنه في تعاملنا مع أهـلنا ينبغي أن ترفرف المودة والرحمة على رؤوسنا، فخيركم خيركم لأهـله، وفي تعاملنا مع أطفالنا ينبغي أن يشع الرفق واللطف بنورهما فيما بيننا، وعندما نتعامل مع والدينا فينبغي أن يكون التلطف والرفق حاضرين في أعظم تجلياتهما .. وإلى ما جاء في الخطبة. الحمد لله الرفيق بعباده، اللطيف بخلقه، أمر بالرفق واللطف، ونهى عن الفظاظة والعنف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، كان من أجل أخلاقه التلطف والحكمة، وأمر أتباعه بالرفق في الأمر كله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين. أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعـلموا أن خلق الرفق من أعظم الأخلاق وأسماها، وأجل الصـفات وأعلاها؛ لأنه دليل وفرة العقل، وهدوء النفس، وتوافر الحكمة، به تدرك عظائم الأمور، وعن طريقه تفتح مغلقات الأبواب، من حالفه كانت السلامة محله، ومن رافقه كان التوفيق قرينه، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، فالرفق - أيها الإخوة - ما كان في شيء إلا وزينه بأبهى الحلل وأجملها، فسحر الناس بحسن حليته، وتقبلوه لجمال طلعته، وما نزع الرفق من شيء إلا صار بالقبح موصوفا، وبالدمامة معروفا، فحري بالأنفس السوية أن تعافه، وبالطباع السـليمة أن تنفر منه. أيها المؤمنون: الرفق هو لين الجانب ولطافة الفعـل وإحسان الصنيع، وهو اليسر في الأمور، والسهولة في التوصـل إليها، وخلافه العنف، وهو الشدة في التوصـل إلى المطلوب، فحري بمن سلك سبيل الرفق واللطف أن يدرك مقصوده، وحري بمن سار على درب الشدة والعنف أن يتعذر عليه مأموله؛ فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)، فالله تعالى هو الرفيق بخلقه، اللطيف بهم، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، فلا يكلفهم فوق طاقتهم، إذ (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، وهذا يدل على أن الرفق أقوى الأسباب الحسنة كلها وأوثقها؛ ذلك لأن الرفق به انتظام خير الدارين واتساق أمرهما، وفي العنف ضد ذلك، يقول الله تعالى في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم، وبيان سبب نجاح دعوته: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). أيها المسلمون: إن دعوة الناس إلى سبيل الحق محـتاجة إلى الترفق، وإن تعـليم الناس الخير محـتاج إلى التلطف؛ لذلك أمر الله تعالى من يدعون إلى سبيله أن تكون دعوتهم سالكة سبيل الحكمة والرفق، يقول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، بل إن الله جل وعلا عندما أمر موسى وهارون - عليهما السلام - أن يذهبا إلى دعوة فرعون - وهو في طغيانه وكفره - أمرهم جل وعلا أن يترفقا به؛ فيقولا له القول اللين: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، فالتلطف والقول اللين لهما تأثير عظيم في نفوس المدعوين، إذ يكون ذلك سببا لانشراح صدورهم للحق وتقبلهم له واطمئنانهم إليه. عباد الله: إن خلق الرفق ينبغي أن يكون حاضرا بيننا في جميع أحوالنا، في منشطنا ومكرهنا، في عسرنا ويسرنا، وكذلك في جميع جوانب حياتنا وتعاملاتنا. ففي تعاملنا مع أهـلنا ينبغي أن ترفرف المودة والرحمة على رؤوسنا، فخيركم خيركم لأهـله، وفي تعاملنا مع أطفالنا ينبغي أن يشع الرفق واللطف بنورهما فيما بيننا، وعندما نتعامل مع والدينا فينبغي أن يكون التلطف والرفق حاضرين في أعظم تجلياتهما: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ)، أما في تعاملنا مع الذين يعملون في بيوتنا ليل نهار، فإنه لا بد لنا من أن نكون حذرين كل الحذر من التعامل معهم بفظاظة وعنف، وذلك لأن طول العشرة وكثرة التعامل معهم، وتعدد ما يزاولونه من أعمال، مظنة لوقوع التقصير والخطأ منهم، فهنا علينا أن نحرص على العفو والمسامحة والتلطف والرفق؛ فإن في ذلك ما فيه من الأجر والثواب، وفيه اقـتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع من يخدمه؛ فعن أنس بن مالك، قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أف قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟)، ولم يحث الإسلام على الرفق بالبشر فحسب، بل حث كذلك على الرفق بالحيوان الأعجم، فنهى أن يتخذ هدفا يرمى، فقد مر صلى الله عليه وسلم على أناس وهم يرمون كبـشا بالنبـل، فكره ذلك وقال: ((لا تمثـلوا بالبهائم))، كما حث صلى الله عليه وسلم على الرفق بالحيوان عند ذبحه، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجـله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها فقال: ((أتريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبـل أن تضجعها؟). فاتقوا الله -عباد الله-، واجعلوا من خلق الرفق رفيقا لكم في حياتكم، واحرصوا على التلطف بالخلق في جميع تعاملاتكم، يرفق الله بكم في سائر أحوالكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه. أما بعد، فيا عباد الله: إن الوظائف العامة هي من أعظم المواضع التي ينبغي أن يكون الرفق حاضرا فيها، فيجب على من ولي شيـئا من الوظائف أن يترفق بالمراجعين ويلطف بهم، وييسر أمورهم ويسهـل معاملاتهم، وينبغي أن تكون المعاملات سهـلة في إحـكام، فإن السهولة واليسر ينتجان خيرا كثيرا، والتعـقيد والتعسير يسببان التكدير والتنفير، فيسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فعلى الموظفين أن يترفقوا بالمراجعين لهم، وعلى المعلمين أن يترفقوا بمن يتعلمون منهم، وعلى الطبيب أن يترفق بالمريض الذي يعالجه، وعلى القاضي أن يترفق بالمتخاصمين حتى يقضي بالحق بينهما، ويوصل الحقوق إلى أصحابها، فإن من شق على الناس في تعاملاتهم شق الله عليه، ومن رفق بهم رفق الله به؛ فعن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيـتي هذا: (اللهم، من ولي من أمر أمـتي شيـئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمـتي شيـئا فرفق بهم، فارفق به). فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا كل الحرص على الرفق بالخلق في جميع تعاملاتكم، وتلطفوا بمن تتعاملون معهم يلطف الله بكم، وتنالوا التقدير والنجاح في حياتكم، وتنعموا بالفوز والفلاح في عقـباكم. هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين. اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك. اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء. عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).