الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي -
يسأل في قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) لماذا الويل للمصلين ولكنهم في الوقت نفسه مراؤون وبخلاء؟ وماذا تعني الساهي عن الصلاة ومع ذلك فهو من المصلين؟
الجواب: أولا لنبين حرف الجر «عن» الذي أشكل على السائل. «عن» يدل على التجاوز، فلما يقال سهى عن صلاته، أي أنه تجاوز عن صلاته. في القرآن الكريم نجد ربنا تبارك وتعالى يقول « {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}، يخالفون عن أمره أي يخالفون أمره، يتجاوزون أمره. هذا معنى التجاوز أو المجاوزة. إن «عن» من أوائل ما تدل عليه هو المجاوزة أو التجاوز، بهذا نفهم أن المصلين هنا موصوفون وصف تقييد «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ» من هم هؤلاء المصلون الذين دعي عليهم بالويل؟ «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ» هذا الوصف وصف تقييد، أي أنه يقيد صفة هؤلاء المصلين، هذا الويل ليس لكل مصلٍّ، وإنما هو لصنف مخصوص مقيد بوصف مخصوص وهو «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ» أي أنهم يتجاوزون عن صلاتهم. اجتماع هذه الأوصاف من المراءة والنفاق ومن الشح والبخل مع ما تقدم من مطلع الصورة من التكذيب بالدين ومن العنف ومن دعِّ اليتيم، هذا على سبيل التبكيت لهؤلاء المعاتبين في هذه السورة بذكر أسوأ خلالهم التي تحلّوا بها، وارتبطت بهم. واختُلف هل السورة كلها مكية أو أن صدرها مكي والثلاث الآيات الأخيرة مدنية، وهذا قول شهير عن ابن عباس وأخذت به طائفة من التابعين ومن المفسرين، أن السورة من قوله تعالى « أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ» إلى هنا أنها مكية وأنها من قوله تعالى «فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ» مدنية. على هذا القول أن صدرها مكي وباقيها مدني لا إشكال، لأن هذا الجزء يتعلق بالمنافقين، فهذه الصفات المذكورة هنا في النصف الأخير، وصف بها المنافقون في المدينة المنورة، وهذا الوصف موجود في كتاب الله عز وجل «وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى» وورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصف صلاة المنافقين.. فلا إشكال حينئذ لأن هؤلاء من المنافقين الذين أظهروا -في ظاهر الأمر- الإيمان وفي حقيقة الأمر هم مشركون، أي على غير الإيمان، ولذلك فإنهم يأتون ببعض أعمال الدين الظاهرة. وعلى القول بأن السورة كلها مكية فإن المقصود أيضا النكاية بهم. إذ إن منهم من كان يدعي أنه يصلي على ما ورثه من آبائه الجاهليين، ولذلك نجد في كتاب الله عز وجل أن الله تعالى وصف ما كانت عليه صلاة المشركين قال «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً» سماها صلاة قال «وما كان صلاتهم» فهذا الذين يدعون أنها صلاة، في حقيقة الأمر هم حتى بناءً على دعواهم غير محافظين عليها، ولا ملتزمين بها. هذا هو التأنيب والوعيد الذي يحاسبهم به ربنا تبارك وتعالى في هذه السورة ولذلك يقول «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ « بأي صورة هم يزعمون أنهم يصلون لكنهم حتى بتلك الصورة التي يدعونها هم عن صلاتهم ساهون. والخلاصة: الآية تشمل كل هذه الصور فهي تصلح للمشركين الذين يكذبون بالدين كما هو في صدر السورة، وتصلح للمنافقين، وتصلح لكل المتهاونين عن أداء صلواتهم. وهذه من خصال النفاق لا ريب. هل يشكل على ذلك أن تجتمع فيهم خصال السوء؟ لا يشكل على ذلك، لا سيما وأن خصال السوء هذه حينما يتدلى فيها الإنسان فإنها تجتمع عليه، وإذا ترقى عنها فإنه يتخلص منها ويتحلى بالكمالات والفضائل. فإن السورة إن كانت وردت في ذكر المثالب والعيوب فإنها في المقابل يُفهم منها ما يتحلى به من كان صادق الإيمان، موصولا بالله تبارك وتعالى، ولذلك فهذا الذي فهمه أيضا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا حريصين على أداء الماعون وعلى الرفق باليتيم وعلى حفظ الصلاة في أوقاتها وعلى الحظ على طعام المسكين، فقد فهموا من معاتبة الله تبارك وتعالى لهؤلاء المشركين والمنافقين والمعاندين أن المطلوب منهم أن يتحلوا بعكس خصال السوء هذه المذكورة في السورة الكريمة والله تعالى أعلم.