سعدون بن حسين الحمداني -
يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس على مدى الزمن بأن تاريخ الدبلوماسية يبدأ من القرن السابع عشر أو السادس عشر ومن الغرب حصرًا وبأصول ومفاهيم بسيطة بفن الدبلوماسية وأقسامه من البروتوكول والإتيكيت والإعلام الدبلوماسي والمفاوضات وكل ما يتعلق بهذا العلم، إلا أن الحقيقة أن الدين الإسلامي كان هو الأقدم في ذلك؛ حيث احتوى القرآن الكريم على أرقى المفاهيم في كل تفاصيل الحياة وعلى مدى الدهر ، سواء في الماضي أم المستقبل ومنها فن علم الدبلوماسية بقوله تعالى ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) سورة يس 12، والمقصود حسب بعض التفسيرات أن الإمام المبين هو القرآن الكريم، لاحتوائه وبصورة متكاملة على كل المعلومات الرصينة التي نحتاجها، لكون القرآن الكريم منزلا من رب السماوات والأرض. وقبل الخوض في هذا الموضوع، علينا أن نوضح ما هو فن الدبلوماسية والبروتوكول والإتيكيت وكيف أن هذه الصفات التي يعتمد عليها الغرب وكذلك جميع المدارس العالمية بحياتهم اليومية الشخصية منها أو الرسمية، هي موجود لدينا في عالمنا الإسلامي دون الاهتمام بها بقدر المستطاع وتطبيقها في حياتنا اليومية.
فالدبلوماسية هي الوثيقة أو الشهادة الرسمية للمبعوث التي أوكلت له المهمة كممثل سياسي للدولة على أن يتميز بحسن الأخلاق والمظهر وبكفاءة عالية من المهارات وخاصة لباقة اللسان وحسن الكلمة وفن وصدق الكلام والمراوغة للوصول إلى الهدف والثقافة العالية والكفاءة العلمية التي تليق به، ليمثل بلده عند البلد الآخر ، أما البروتوكول فهو أصلا من اختصاص دائرة المراسم سواء في الرئاسة أم الديوان الملكي أم مقر وزارة الخارجية ، وهو يختص بالتنظيم والإجراءات في إعداد برنامج الزيارات على أعلى المستويات من رؤساء وشخصيات رفيعة المستوى وإعداد الاتفاقيات بين الطرفين، واستقبال السفراء وتوديعهم وتنظيم والإشراف على حفلات المبعوثين الدبلوماسيين وتنظيم المؤتمرات الدولية بإضافة إلى الواجبات الأخرى.
أما الإتيكيت فيخص آداب السلوك الفردي بكل التفاصيل وكيفية الالتزام بها لما فيها من مردود إيجابي أو سلبي على الشخص العادي أو المسؤول، مثال ذلك تفاصيل تتعلق باللباس الرسمي /اللون والطراز/ الالتزام بالوقت/ وطبيعة الكلام وأسلوبه/ ونبرة الصوت / والابتسامة والتصرف الفردي وغيرها/ .
وتطرق القرآن الكريم إلى عدة أبواب وفصول ومنها الأزمات، المفاوضات، واستقبال الضيوف حيث قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم الْمُكْرَمِينَ «24 الذاريات» وجاء بصفة التكريم للضيف والاعتناء به بأعلى درجات الأتيكيت من احترام وتقدير وهي من سمات الدين الإسلامي الحنيف. وكذلك تطرق القرآن الكريم إلى آداب الزيارات الاجتماعية بين الأصدقاء والأقارب والقيادة ولغة الجسد والقيمة العظيمة للمرأة في الإسلام، وكيف اهتم بها، كما ورد بالحديث النبوي الشريف الذي رواه الترمذي (1162) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ). وكذلك تطرق إلى العلاقات العامة والإعلام والمصداقية في نقل وسرعة الخبر ، قال تعالى: «قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذا مِن فَضْلِ رَبِّي....» سورة النمل آية 40 ، وفن كتابة الأخبار ولباقة اللسان واختيار الكلمة والعبارات المتزنة والهادفة وغيرها ، قال تعالى :«وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ» سورة القصص آية 34 ، وكذلك من الفنون والعلوم والتي سوف نتكلم ونخوض فيها لاحقاً وبصورة تفصيلية في هذه المواضيع.
وحث القرآن الكريم على العلم والاجتهاد بأفضل ما يمكن وقال الله تعالى في محكم كتابه أيضاً، مرغباً في العلم وحاثاً على طلبه:«يرْفعِ اللهُ الذينَ آمَنُوا مِنكمْ والذينَ أوتوا العلْمَ دَرجات» سورة المجادلة آية 11 كما تطرقت السنة النبوية إلى مواضيع عديدة ، منها البرتوكولية في إرسال المبعوثين إلى مختلف أرجاء المعمورة والختم النبوي الشريف حيث كان سيدنا الرسول هو أول من استعمل الختم في الرسائل وكان الختم آنذاك ( محمد رسول الله) ليضيف الخصوصية والسرية بذلك. أن في حياة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) خاتم الأنبياء والرسل لعبرة لجميع البشرية فهو أول من أرسى القواعد في الإتيكيت والبروتوكول ومنها اختيار ألوان الملابس وأنواعها وطبيعتها وفن الدبلوماسية والتواضع في المقابلات، وأتيكيت نبرة الصوت ولغة الكلمة إتيكيت الطعام ، وإتيكيت العلاقة مع العائلة وكذلك كيفية احترام العدو في السلم والحرب في شتى أرجاء المعمورة حيث أرسل من يمثلونه ويحملون رسائل المحبة والسلام لكل قادة وملوك العالم من مختلف الأجناس والديانات.
ولقد كان سيدنا الرسول الأعظم هو القدوة لنا في فن الدبلوماسية في تعامله مع عامة الناس / أصحابه /الضيوف الأجانب وفي قوله تعالى: «هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ...» سورة الجمعة آية2.
وسوف نتطرق إلى فصول القيادة والبروتوكول والإتيكيت والدبلوماسية في قرآننا الكريم والسنة النبوية، وكيف أننا مهدُ لهذه الأسس والعلوم في المقالات القادمة إن شاء الله...