حمادة السعيد -
الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.
ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم شروطا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار تأتي مرحلة عقد النكاح والتي تصبح أكثر نفعا إذا جاءت وفقا للضوابط الشرعية.
جاء في كتاب «مقدمة النكاح» لمحمد عبدالعزيز السديس «تعريف النكاح والزواج لغة واصطلاحاً، لأن كلاً منهما يطلق ويراد به الآخر: فالنكاح في اللغة: يطلق ويراد به الضم والجمع، مأخوذ من قولهم تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض، ومن قولهم نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها أو اعتمد عليها. وأصل النكاح في كلام العرب هو الوطء، ولهذا سمي الزواج نكاحاً لأنه سبب للوطء المباح.
ويطلق الزواج في اللغة على الاقتران والارتباط ومنه قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} سورة الصافات، أي قرناءهم. وقوله تعالى: وفي سورة التكوير {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}، بمعنى قرنت، وقوله تعالى: وفي سورة الدخان {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} بمعنى قرنّاهم. ثم شاع استعمال هذه الكلمة على الارتباط بين الرجل والمرأة على سبيل الدوام والاستمرار بغية التناسل والاستئناس.
أما التناسل فدل عليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} سورة النحل، وأما الاستئناس فقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} سورة الروم.
أما تعريفه اصطلاحا فإن أحسن ما قيل في تعريفه أنه: عقد وضعه الشارع الحكيم يفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحل استمتاع المرأة بالرجل وقد اشتمل التعريف على أمور:الأول: ملك استمتاع الرجل بالمرأة. ومعناه: أن الاستمتاع بهذه المرأة ملك خاص للرجل وليس لأحد غيره بعقد ولا بغيره الاستمتاع بهذه المرأة، كما لا يجوز لهذه المرأة الاستمتاع برجل غيره. الثاني: حل استمتاع المرأة بالرجل: ومعناه أنه يجوز لهذا الرجل الاستمتاع بامرأة أخرى وليس ممنوعاً عليه ذلك ويجوز لامرأة أخرى الاستمتاع بهذا الرجل، ومعنى ذلك جواز التعدد بالنسبة للرجل، ولا يعتبر عن جانب المرأة بالملك لأن ذلك يوهم بعدم جواز التعدد وهذا مخالف للنصوص الشرعية الدالة على هذا الأمر المباح.
وجاء في «الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة» لمجموعة من المؤلفين: الأصل في مشروعية النكاح: الكتاب والسنة والإجماع. فقد دل على مشروعية النكاح آيات كثيرة: منها قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) «النساء: 3». وقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) «النور: 32».
وأحاديث كثيرة، منها حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) رواه البخاري. وحديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم).
وقد أجمع المسلمون على مشروعية النكاح. وحكم النكاح: يختلف حكم النكاح من شخص لآخر: أولاً: يكون واجباً إذا كان الشخص يخاف على نفسه من الوقوع في الزنا؛ وكان قادرا على تكاليف الزواج ونفقاته؛ لأن الزواج طريق إعفافه، وصونه عن الوقوع في الحرام. فإن لم يستطع فعليه بالصوم، وليستعفف حتى يغنيه الله من فضله.
ثانياً: يكون مندوبا مسنونا إذا كان الشخص ذا شهوة ويملك مؤنة النكاح، ولا يخاف على نفسه الزنى، لعموم الآيات والأحاديث الواردة في الحث على الزواج والترغيب فيه.
ثالثاً: يكون مكروها إذا كان الشخص غير محتاج إليه، بأن كان عِنِّينا، أو كبيرا، أو مريضا لا شهوة لهم. والعِنِّين: الذي لا يقدر على إتيان النساء، أو لا يشتهيهن.
وحتى يتم الزواج لا بد أن يتوافر فيه شروط تعيين كل من الزوجين: فلا يصح عقد النكاح على واحدة لا يُعيِّنها كقوله: «زوجتك بنتي» إن كان له أكثر من واحدة، أو يقول: «زوجتها ابنك» إن كان له عدة أبناء. بل لا بد من تعيين ذلك بالاسم: كفاطمة ومحمد، أو بالصفة: كالكبرى أو الصغرى.
ثم رضا كل من الزوجين بالآخر: فلا يصح نكاح الإكراه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن». ثم الولاية في النكاح: فلا يعقد على المرأة إلا وليها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي»، ويشترط في الولي أن يكون: رجلاً، بالغاً، عاقلاً، حراً، عدلاً ولو ظاهراً.ثم الشهادة على عقد النكاح: فلا يصح إلا بشاهدي عدل مسلمين، بالغين، عدلين، ولو ظاهراً؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان غير ذلك فهو باطل». قال الترمذي: (العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود ..). واشتراط الشهادة في النكاح احتياط للنسب خوف الإنكار. وكذلك خلو الزوجين من الموانع التي تمنع من الزواج، من نسب أو سبب، كرضاع ومصاهرة واختلاف دين، ونحو ذلك من الأسباب؛ كأن يكون أحدهما محرماً بحج، أو عمرة.
ثم يأتي أركان النكاح التي بها قوامه ووجوده وهي: العاقدان: وهما الزوج والزوجة الخاليان من موانع الزواج التي سبقت الإشارة إليها.والإيجاب: وهو اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه (وكيلاً) بلفظ إنكاح أو تزويج. ثم القبول: وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه، بلفظ: قبلت، أو: رضيت هذا الزواج. ولا بد من تقدم الإيجاب على القبول.
وجاء في كتاب «مخالفات تقع فيها النساء» لمحمد حسن عبدالغفار: أنه لا يجوز لامرأة بحال من الأحوال خلقها الله جل في علاه تريد الزواج بكرا كانت أم ثيبا أن تتزوج بدون ولي، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة مؤمنة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل». وأشد من ذلك قول أبي هريرة راوي الحديث وهو» كنا نعد -أي: الصحابة- المرأة التي تزوج نفسها أنها زانية».
وإذا تم النكاح وفقا لتلك الشروط التي وضعها علماؤنا وفقا لفهم ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ودون وجود مخالفات شرعية خصوصا في ليلة الزفاف كان ذلك مقدمة لتنشئة أسرة سعيدة قوامها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.