هلال بن حسن اللواتي -
إن الأحكام الجعلية التي تُجعل من قبل البشر لم تصل إلى مستوى فهم عالم الطبيعة من خلال احتياجه الذاتي، فلهذا ستظل البشرية أسيرة لأوهامها، تظن أنها تصل إلى شيء، والحق هي لا تحقق سوى الفشل الاجتماعي، وهو بدوره يؤثر على العالم الذي تصنعه وتطوره من اتصالات ومواصلات وسكن وملبس ومأكل ومشرب.
إلا أن السؤال الذي يطرح هنا .. هل يعقل أن لا تصل البشرية إلى حل جذري؟!، وهل ستظل لا تعي الاحتياج الذاتي لكل شيء؟!، وإذا كان مكتوبا أن تتعرف على معادلة الاحتياج الذاتي، فكيف يمكن تنفيذه وتحقيقه؟!، هل من طريق؟!.
الجواب: إن أول الكلام الذي سيرد هنا هو: هل يمكن للبشرية أن تتعرف على معادلة الاحتياج الذاتي من تلقاء نفسها؟!، فأظن الجواب هو: بالنفي (لا)، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا يمكن للبشرية أن تصل إلى ما هي تفقده، إذن لابد من أن يكون هناك من يخبرها، يعلمها، يعرفها، ولا يوجد أحد يعلم بمعادلة الاحتياج الذاتي في هذا الوجود سوى «صانع الموجودات».
إذن .. فإن الموضع الذي يحمل معارف معادلة الاحتياج الذاتي هو صانع الموجودات، فهنا سيرد هذا التساؤل: فهل من إمكانية التواصل معه؟، هل يوجد طريق ما للتواصل معه؟، وكيف؟، وما الضامن في إثبات أن هو من نتعامل معه مع وجود وسيط يدعي أنه يمثله؟!، فكل هذه الأسئلة تحتاج إلى الإجابة، وقد تكفل بها «علم العقيدة» و«علم الكلام» و«الفلسفة الإلهية»، بأجوبة متينة وببراهين عقلية منطقية قوية تثبت وجود هذا الصانع، وتبين صفاته، وكذلك وقفت على خلفائه والممثلين عنه على وجه الأرض، ووقفت على صفاتهم بدقة متناهية كي تفوت على الأدعياء من انتحال شخصيتهم بين الناس.
ومن هنا نجد الدين السماوي يؤكد على دوره التنظيمي في عالم الطبيعة والوجود، وبناء عليه نجد مفردات هذه الحقيقة في كلمات الأعلام والتي من أهم صورها ومصاديقها «الحقوق وقانونه ومبدأه)، فقد ذكر أهل التخصص في هذا المجال أن «الأحكام تتبع المصالح» (كتاب التبيان: الشيخ الطوسي: 6: 520)، و(كتاب تفسير البيضاوي: العلامة البيضاوي: 1: 500)، و(كتاب فوائد الأصول: الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني: 4: 455).
وعندما يصرح الإعلام في كلماتهم بأن الأحكام تتبع المصالح والمفاسد فهذا يعني تأخر الأحكام عن الشيء الموجود، فقد وجد الشيء أولاً، ثم تبعته الأحكام بناء على طبيعته الذاتية، ثم وجهت إلى البشرية لتعي مع ماذا أو مع من تتعامل، وأن تنتبه إلى كيفية التعامل بدقة وعلم ومعرفة، وهذا يعني أن دور الأحكام سيكون تنظيمياً، وليس تأسيسياً الذي يفترض فيه وجود الأحكام أولاً ثم يطلب من الشيء أن يتكيف مع تلك الأحكام، بمعنى آخر .. أن يقوم الإنسان بتأسيس الأحكام والمعادلات ثم يريد من الأشياء التي أسس لها تلكم الأحكام والمعادلات أن تتكيف عليها، وهذا كما تعلم عزيزي القارئ غير متعقل أبداً، بل وغير ممكن، وغير واقعي، والوجدان خير شاهد ذلك، فهل يؤسس البشر الأحكام للماء من أنه سائل وشفاف ثم قالوا للماء تكيف مع الأحكام التي وضعت لك، وغير من وضعك وشكلك، فكن شفافاً وكن سائلاً!.
وعندما توضع معادلات الحقوق أو قوانين الحقوق فهل يراد منها أن تطلب من العالم البشري ومن عالم الطبيعة أن يتكيف عليها، ويجاريها، أم أن الأشياء والبشر وسائر الكائنات لها أحكامها الخاصة والإنسان اكتشفها وانتزع منها أحكامها، ومن ثم قام بصياغتها، وتعميمها، ففي هذه الحالة يصبح دوره تنظيمياً ينظم معاملاته بنحو تنسجم مع كل الأشياء بنحو لا يسبب لها أي ضرر أو فساد، بل يرقي بها إلى سلم الرقي والتنمية الصالحة، بما يصبح في مصلحة الإنسان الخاصة والعامة.
إن المنشأ للعالم والطبيعة وللحقوق ذاتي، أي من ذات وصميم التركيبة الوجودية للأشياء، فبطوي المقدمات العقلية المبرهنة على إثبات وجود خالق لهذا الوجود الضخم، فإن هذه الحقيقة تقودنا إلى القول بتركيبةٍ منتظمةٍ موحدةٍ للعالم والوجود، وهذا ما يقودنا إليه النظام الوجودي المترابط، الذي يكشف لنا عن وجود «إدارة» واحدة لكل الكائنات والمخلوقات.
وهذه «الإدارة الوجودية الموحدة»؛ وما في هذا العالم والوجود من انتظام الحركات والسكنات؛ ودقة الوظيفة لكل شيء على الإطلاق، من الكواكب والمجرات العديدة وما فوقها إلى الكواكب وما دونها، ليقودنا إلى أن نقول:
إن هذه الوظائف لهذه الكائنات والمخلوقات - سواءً لو نظرنا إليها بلحاظ تشخصها الخاص، أم نظرنا إليها بلحاظ تكيفها وحركتها ضمن مجموعة أجزاء المحيط - تكون ضمن تقنين منتظم دقيق توجب القول .. إن لو وضعت أمامها - وبشكل عشوائي - موانع تشل من حركتها، أو تمنعها من استعداداتها للحركة، أو تحرف حركتها من اتجاه إلى آخر لاختل بذلك النظام الطبيعي العالمي والكوني، فإن طبيعة الغابات أن تزود الأرض بمخزون من الغازات التي هي بدورها تساهم في إيجاد توازنات على مستوى الأُكسجين وغيرها، وقطعها بشكل عشوائي ليؤدي اختلالا بيئيا طبيعيا، وإن وجود مسافات بين الكواكب ووجود الجاذبية ذات الأثر المزدوج وهو الجذب والدفع، لأمر وجودي واقعي ضروري تحتاجه هذه الكواكب وكذا المجرات.