حمادة السعيد -
الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها. ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم شروطا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر وهناك حقوق مشتركة بين الزوجين ومن هذه الحقوق المشتركة الحلم بين الزوجين.
يقول محمد بن محمد مختار في كتابه «فقه الأسرة»: الحلم زينٌ والسكوت سلامةٌ فإذا نطقت الزوجة فلا تكن مهذارا، إن ندمت على السكوت مرةٍ فلقد ندمت على الكلام مرارا فالكلمة إذا خرجت من اللسان لا تعود، وإذا خرجت جارحةً قاسية أدمت القلوب وأحدثت فيها من الفساد ومن تغيُّر الألفة والمحبة ما الله به عليم؛ ولذلك أوصى الله بحفظ اللسان في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل العلماء المحاور التي تكون بها العشرة بالمعروف في الأقوال بين الزوجين في أحوال: الأول: في النداء، إذا نادى الزوج الزوجة، وإذا نادت الزوجة زوجها. ينبغي لكل منهما أن يحسن النداء، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فيقول: (يا عائش!) قال العلماء: إن هذا اللفظ يدل على الإكرام والملاطفة، وحسن التبعُّل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهله، فهذا منهجٌ للمسلم إذا نادى زوجه، أن يجعل في ندائه من الكلمات ما ينبئ عن شيءٍ من المحبة والملاطفة، فالغلظة والوحشية في النداء بأسلوب القسر والقهر من الرجل أو بأسلوب السخرية والتهكم من المرأة تفسد المحبة، وتقطع أواصر الألفة بين الزوج والزوجة، فتتخير الزوجة أحب الأسماء إلى زوجها، ويتخير الزوج أحب الأسماء لزوجه، ويكون كما قال عمر: (إن مما يبعث المودة والمحبة أن ينادي المسلم أخاه بأحب الأسماء إليه)، فهي إحدى الثلاث التي تزيد من ود المسلم لأخيه المسلم، فكيف بالزوجة مع زوجها؟! فمن الأخطاء أن يختار الزوج لزوجته كلمة يجرحها بها، ويجعلها طريقاً للتعيير والانتقاص منها، ومن الأخطاء كذلك أن الزوجة تختار لزوجها كلمة تنتقصه أو تحقِّره بها، وكان بعض العلماء يقول: الأفضل ألا تناديه وألا يناديها بالاسم المجرد، فمن أكرم ما يكون في النداء النداء بالكنية، فهذا من أفضل ما يكون.
وقال العلماء: إنه ما من زوج يألف ويعتاد نداء زوجته بالملاطفة إلا قابلته المرأة بمثل ذلك وأحسن، فإن النساء جبلن على الملاطفة، وجبلت على حب الدعة والرحمة والألفة، فإذا قابلها الزوج بذلك قابلته بما هو أحسن وأفضل.
الحالة الثانية: عند الطلب..إذا خاطب الرجل امرأته عند الطلب وأراد منها أمراً، يطلب ذلك منها بأسلوبٍ لا يشعرها بالخدمة والإذلال والامتهان والانتقاص، والمرأة إذا طلبت من بعلها شيئاً لا تجحفه ولا تؤذيه ولا تضره، ولا تختار الكلمات والألفاظ التي تقلقه وتزعجه، فهذا مما يحفظ اللسان، ويعين على العشرة بالمعروف في الكلمات، كذلك أيضاً قال صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين رضي الله عنها، وهو في المسجد: (ناوليني الخُمْرَة، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) فانظر إلى رسول الأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يسأل حاجته من أم المؤمنين، فلما اعتذرت، اعتذرت بالعذر الشرعي، وما قالت: لا أستطيع إبهاما، أو معللة عدم استطاعتها بشيءٍ مجهول، وإنما قالت: إني حائض، فبماذا تأمرني؟ وماذا تريد؟ وكيف أفعل؟ فقال: (إن حيضتك ليست في يدك)، أي إذا ناولتينيها فإن دخول اليد ليس كدخول الكل.
الشاهد: الملاطفة في النداء والطلب وعند الحاجة، وقد تقع المشاكل الزوجية بكثرة الحوائج، ذكر بعض العلماء: أن المرأة إذا أثقل عليها الزوج بالحوائج، وكان أسلوبه في الطلب مزعجاً مقلقاً، فإن هذا من أهم الأسباب التي تفسد المودة وتفسد المحبة؛ لأن المرأة تشعر وكأنها خادمة وكأنها ذليلةٌ في بيت زوجها، ومما أوصى به الحكماء والعقلاء، بل أوصى به قبل ذلك رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، المكافأة عند الطلب ولو بالكلمات، فالزوج إذا احتاج من امرأته شيئاً وطلبها وجاءته بالشيء قابلها بالكلمة الطيبة، من الدعاء لها بالخير، والدعاء أن يبارك الله فيها، فالمرأة إذا وجدت أن معروفها يُشكر وأن خيرها يُذكر ولا يُكفر حمدت ذلك من بعلها، ونشطت للإحسان إليه والقيام بأمره وشأنه، بل كان ذلك معيناً لها على البقاء على العشرة بالمعروف.
الحالة الثالثة: حالة الحديث والمباسطة، فلا ينبغي للمرأة ولا ينبغي للرجل أن يُحدِّث كلٌ منهما الآخر في وقتٍ لا يتناسبُ فيه الحديث؛ ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن من الأذية بالقول أن تتخير المرأة ساعات التعب والنصب لمحادثة الزوج، أو يتخير الزوج ساعات التعب والنصب لمحادثة زوجته، فهذا كله مما يحدث السآمة والملل، ويخالف العشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها، وقالوا: إذا باسط الرجل امرأته فليتخير أحسن الألفاظ، وإذا قص لها تخير أحسن القصص وأفضلها، مما يحسن وقعه ويطيب أثره.
الحالة الرابعة: عند الخصومة والنزاع، فمن العشرة بالمعروف إذا وقع الخلاف بين الرجل والمرأة أن يحدد الخلاف بينه وبين امرأته، وأن يبين لها الخطأ إن أخطأت بأسلوبٍ بعيدٍ عن التعنيف والتقريع إذا أراد أن يقرِّرها، وبعد أن تقر وتعترف إن شاء وبخها وإن شاء عفا عنها، أما أن يبادرها بالهجوم مباشرة قبل أن يبين لها خطأها فإن هذا مما يقطع الألفة والمحبة.
ويضيف الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قائلا: ومن الحقوق المشتركة بين الزوجين أيضا: صبر كل منهما على صاحبه؛ فيصبر الرجل على المرأة، يصبر على بعض قصورها، وبعض تقصيرها، وبعض أخطائها، صبرا يحاول من خلاله إصلاح الأخطاء بكل طريق ممكن؛ فالمرأة لا بد منها من أخطاء، كما أن للرجل أخطاء، ومن يسلم من الأخطاء إلا من عصم الله، ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم- أرشد الرجال إلى الصبر على المرأة؛ فقال: «استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه؛ فإن ذهبت تقيمه كسرته فاستوصوا بالنساء خيرا»، وقال أيضا: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كرها منها خلقا رضي منها آخر»؛ فالأخطاء يمكن إصلاحها، ويمكن تعديلها، بالحلم والأناءة والرفق في الأمور كلها، ومن الأمور المشتركة: رفق كل من الزوجين بصاحبه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق»؛ فالرفق إذا دخل البيت صار أهله في نعمة، ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف».