د. ناصر بن علي الندابي -
إن اهتمام الإنسان بمختلف العلوم يجعله يبحث عن كل ما يعينه على نقل المعرفة من شخص إلى شخص، ولذلك نجد الكثير من المعينات ظهرت جنبا إلى جنب مع ظهور فكرة نقل المعرفة، والحفاظ عليها، لكي تصل من جيل إلى جيل ليبني عليها معارفه الحديثة لأن الحضارات تتكامل في هذا الجانب فكل حضارة تبني معرفتها على الحضارة الأخرى فتزيد على ما تم تأليف أو تثبت خلافه.
ومن هذا المنطلق نجد أن المواد المستخدمة في الكتابة تختلف من عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان، فبدأ الإنسان باستخدام الفحم للكتابة أو النحت على الصخور، ثم بدأت تتطور فقام الإنسان بالبحث عن مواد أخرى قابلة لنقل المعرفة ويمكن نقلها وتداولها بسهولة ويسر فلجأوا إلى عظام أكتاف الحيوانات، ثم على جلودها، إلى أن وصلوا إلى التطور عندما اكتشف الإنسان الورق الذي أصبح أفضل وأيسر وأسهل مادة لنقل المعرفة .
وعلى إثر هذا ظهرت العديد من المهن المتعلقة بالتأليف والكتابة، فنجد مهنة تسمى الوَرَّاق ويقصد به ذلكم الرجل الذي اتخذ محلا لبيع الكتب كما أنه يقوم في الوقت نفسه بنسخها، وقد ظهرت هذه المهنة بصورة كبيرة في بدايات الحضارة الإسلامية من أجل نسخ المصحف الشريف ثم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن كان الورّاق هو البائع الذي يبيع الكتب وينسخها فإن الوراقة هي المهنة ذاتها، ولقد وجدت هذه المهنة اهتماما منقطع النضير عند العرب في الدول الإسلامية خاصة بعد القرن الثاني الهجري عندما ازدهر التأليف وظهر الكثير من العلماء الذي أثروا المكتب الإسلامية بكتبهم وموسوعاتهم الضخمة .
ولندع المقريزي يصف لنا مكتبة الحاكم الفاطمي في مصر العزيز بالله لنعرف حجم الكتب المنسوخة وكثرة النساخ وطبعا هذا ليس بغريب على مصر التي تمتلك ورق البردي، قال المقريزي :«وذكر عند العزيز بالله الفاطمي كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، فأمر خزّان دفاتره ، فأخرجوا من خزانته نيفا وثلاثين نسخة من كتاب العين، منها نسخة بخط الخليل بن أحمد، وحمل إليه رجل نسخة من كتاب تاريخ الطبري اشتراها بمائة دينار، فأمر العزيز الخزان فأخرجوا من الخزانة ما ينيف عن عشرين نسخة من تاريخ الطبري منها نسخة بخطه وذكر عنده كتاب الجمهرة لابن دريد فأخرج من الخزانة مائة نسخة منها».