اختيارات: مــــــنار العــــــدوية -
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ما الذي يعنينا بخلافات الأمم السابقة ..
لماذا نستورد تلك الحوادث التاريخية ثم نتقاتل من أجلها..
وتسيل الدماء ..
ماذا تنفعنا هذه الدماء ؟
وبماذا تفيدنا الخلافات ؟
تلك أمةٌ قد خلت ..
ثم هدى
وهدايته سبحانه لا تختص بالبشر بل هو يهدي جميع خلقه،
قال جلَّ من قائل : (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) ..
يصف الشيخ محمد بن راتب النابلسي شيئا من هذه الهدايات فيقول : «يتجه سمك السلمون من سواحل الأطلسي إلى مصبات الأنهار في أمريكا، ويضع بيوضه ثم يعود، بعد أشهر تخرج الأسماك الصغيرة وتتجه مباشرة إلى حيث أمهاتها.
على بعد مئات الكيلوات، لا تضيع طريقها، من الذي هداها إلى الطريق ؟
إنه الهادي سبحانه.
أحدهم رأى قنفذا يأكل أفعى ميتة ثم يتوجّه إلى نبتة فيأكل منها ورقة، ثم يعود للأفعى فيقضم، ثم للنبتة فيأكل، أراد ذلك الشخص أن يعلم سر تلك النبتة فاقتلعها، عاد القنفذ ليأكل ورقة من النبتة فلم يجدها فلبث يسيرًا ثم مات.
من الذي هدى هذا القنفذ إلى أن تلك النبتة تحمل خاصية مضادة للسم الموجود في سم الأفعى ؟ إنه الله جل جلاله «..يهجم الذئب على الغزال فتحني الغزال رأسها لينغرز قرنها في رقبة الذئب، من الذي أعلمها أن فوق رأسها سكينا حادة؟
من الذي جعلها تعلم أنها بذلك الفعل ستنجو ؟
إنه الهادي سبحانه ..
الاختيار قوة
إنه ليس من السهل، ولو تفكرت قليلا فيه، أن تختار أمرا وتقرر البدء به، هذا الأمر أو هذا الاختيار إن صح التعبير، وإن رأيته سهلا يسيرا، فإنما دلالة على قوة تملكها ربما تكون مدركا لها وربما لا، وإن عدم الانتباه إلى تلك القوة، من الممكن أن يكون سببا لتفويت كثير من الفرص، نتيجة شكوك وظنون تجتاح النفس بعض الأحيان حال وصول وقت الاختيار بين أمرين.
أن تملك اختيار قرارك فهذا يعني أنك تملك دفة توجيه حياتك. والعكس صحيح دون أدنى شك. حاول أن تتخيل نفسك وأنت فاقد لقوة الاختيار، أو اختيار ما تريد أن تفعله وتقوم به دون ضغوط ومؤثرات خارجية .. حاول أن تتخيل كيف ستكون حياتك ؟ كيف سيكون وضعك وأنت تسير وفق اختيارات الآخرين، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر، سواء كان أحد الوالدين أم المقربين من أهلك وعائلتك، أصدقائك، زملائك، رؤسائك في العمل، أم كائن من يكون.
حياتنا ما هي إلا مجموعة عمليات معينة تسير وفق اختياراتنا. أي أن حياتنا هي نتاج اختياراتنا، وبالطبع أتحدث عن السن التي يكون المرء منا فيها على قدر من الفهم والقدرة على التفكر والتأمل؛ لأن يبدأ الاعتماد على نفسه والانطلاق بحياته، ولا أتحدث عن الأطفال أو من هم أقل من السن المعروفة والمتفق عليها عرفا وقانونا وغالبا أقل من العشرين عامًا.
حين ينضج المرء منا ويصل إلى الثلاثين من العمر، فهو يكون قد بلغ سنا يستطيع اتخاذ قراراته، وبالتالي البدء في إدارة حياته بالصورة التي يريدها، لا كما يريدها الآخرين له .. وربما هنا يقول البعض بأن هناك من هم أقل من الثلاثين ويمكن الاعتماد عليهم، نعم، لا أخالف أحدًا يأخذ بهذا الرأي، فالإنسان نتاج وصناعة بيته، فبعض البيوت هي بالفعل مصانع للرجال، فيما أخرى كثيرة، لا يمكن إطلاق مثل هذا الوصف عليها ..ومن هنا يبرز دور البيت في صناعة وتنمية مهارة الاختيار عند أفراده.. والحديث طويل في هذا الأمر.