د.حميد بن فاضل الشبلي - Humaid.fadhil@yahoo.com - مقال اليوم نستأذن فيه كتاب التاريخ، وليسمحوا لنا في سرد حكاية قصر الزعفران بأسلوبنا المتواضع، فالزائر لجامعة عين شمس في مصر، سوف يشد انتباهه وجود تحفة معمارية تتوسط حرم الجامعة، إنه قصر الزعفران الذي ربما الكثير من الجمهور يجهل حكاية هذا القصر الجميل، الذي دارت في أروقته كثير من المفاوضات التاريخية بين مصر وأقطار أخرى، كما استقبل العديد من الملوك والرؤساء، لذلك تشير المصادر التي حصلنا عليها من إدارة جامعة عين شمس، أن قصر الزعفران بني في عهد الخديوي إسماعيل على أنقاض (قصر الحصوة) الذي بناه محمد علي مؤسس الدولة المصرية الحديثة في منطقة العباسية، في عام 1864م اشترى الخديوي إسماعيل القصر، ثم في عام 1870م طلب من المهندس (مغربي بك سعد) وكيل وزارة الأوقاف بتصميم قصر الزعفران والإشراف على بنائه، وقد بني القصر على غرار قصر فرساي بفرنسا الذي قضى فيه الخديوي إسماعيل فترة تعليمه، ثم في عام 1872م أهدى القصر لوالدته المريضة (خوشيار هانم) كنوع من الاستشفاء، حيث نصحها الأطباء بالهواء النقي، لذا بني القصر وسط حديقة مزروعة بنبات الزعفران ذي الرائحة الزكية. ولكن في عام 1882م وبعد هزيمة عرابي ووصول الجيش الانجليزي إلى القاهرة، طلب الخديوي توفيق من جدته إخلاء القصر لإقامة الضابط الانجليزي، الذي امتدت إقامته لخمس سنوات، وبعد وفاة زوجة الخديوي إسماعيل باع ورثتها القصر للحكومة مقابل ألف فدان من الأراضي الأميرية، ثم في 1908م قررت وزارة المعارف إنشاء مدرسة ثانوية يطلق عليها اسم ملك مصر (مدرسة فؤاد الأول)، فوقع الاختيار على قصر الزعفران ليكون مقرا لها، ثم توالت الأحداث حيث نقلت مدرسة فؤاد الأول إلى المبنى المخصص بالعباسية عام 1925م، وحلت محلها إدارة الجامعة المصرية (جامعة القاهرة)، التي أيضا انتقلت تدريجيا إلى مقرها الجديد في الجيزة، وبعد خروج الجامعة المصرية من قصر الزعفران، تولت وزارة الخارجية المسؤولية حيث اشترت القصر وجعلته دارا للضيافة واستقبال زوار مصر من الملوك والأمراء الأجانب، حيث تشير المصادر بأن أول من نزل هذا القصر من الملوك هو (عمانويل) ملك إيطاليا، ثم ألبير ملك بلجيكا، وفي عام 1946م زار الملك عبدالعزيز ال سعود القصر حيث التقى باللورد كيلرن المندوب السامي البريطاني. كذلك من أهم ذكريات القصر التاريخية هو توقيع معاهدة 1936م بين زعيم الأمة مصطفى النحاس والمندوب السامي البريطاني كيليرن في ردهات هذا القصر، ولا زالت المنضدة التي تم توقيع المعاهدة عليها موجودة في مكانها بالقاعة الرئيسية، كما دارت في أروقة القصر كثير من المفاوضات التاريخية السياسية بين مصر وانجلترا، كذلك أقامت فيه جامعة الدول العربية قبل وبعد تأسيسها بعض الاحتفالات والاجتماعات، ومنها احتفال عام 1945م بمناسبة خروج أول ميثاق للجامعة وقع عليه مندوبو الدول العربية وعددهم سبع دول فقط، وفي عام 1952م أخلت وزارة الخارجية القصر ليكون مقراً لجامعة (إبراهيم باشا)، التي تحول اسمها فيما بعد بمسماها الجديد (جامعة عين شمس) حتى وقتنا الحاضر، ليتحول هذا القصر إلى منارة بارزة للعلم والمعرفة، هذه التحفة الفنية تم تسجيلها عام 1985م ضمن الآثار الإسلامية، باعتباره أثرا تاريخيا شهد وقائع تاريخ مصر الحديث والمعاصر، لذا قامت جامعة عين شمس بترميمه بالتعاون مع هيئة الآثار، ومما يميز هذا القصر انه جمع بين طرازين هما القوطي والباروك المستعملان في كثير من قصور القرن 19، ويتكون القصر من ثلاثة طوابق وطابق أخر تحت الأرض، وباب القصر من الزجاج المعشق ويعد تحفة من تحف القصر، أما سلم البهو الكبير فقد صنع من النحاس ومغطى بطبقة مذهبة، كما أن سقفه عبارة عن زجاج بللوري معشق بالرصاص وبألوان زاهية، أيضا يحتوي على الأعمدة ذات الطراز اليوناني والروماني من الرخام الأخضر والأصفر بتيجان مذهبة، إضافة إلى أن حوائط الحجرات عبارة عن بانوهات مزينة من الجص بأشكال الورود والزهور الملونة والمذهبة .