تراجع فرص احتراف اللاعب العماني.. الأسباب والحلول؟
تحقيق - ياسر المنا -
ينظر إلى احتراف اللاعب العماني بارتياح كبير باعتباره خطوة إيجابية ونقلة فنية جديدة للكرة العمانية ستنعكس إيجابا على مسيرة المنتخب الوطني الأول وتدعم مسيرته وتعينه في تحقيق طموحات جماهيره.
مر احتراف اللاعب العماني بعدة محطات ولم يخل من الإيجابيات التي ساهمت في إثراء الكرة العمانية وتشجيع الشباب من اللاعبين على الاستفادة من دروس وتجارب من سبقوهم في هذا المجال وكذلك كانت هناك سلبيات حاضرة في التجربة في مقدمتها غياب الاستثمار الأفضل من بعض اللاعبين للفرص التي يحصلون عليها مما يجعل البعض يطرح سؤالا عريضا بشأن إذا ما كانت ثقافة بعض من اللاعبين بحاجة إلى تنشيط أكثر حتى يكون جاهزا للنجاح والمحافظة على فرصته عبر تصاعد الأداء وجميل العطاء.
احتراف اللاعب العماني في الدوريات الخارجية يعد حافزا كبيرا يحث على مضاعفة الجهود بداية من اللاعب مرورا بالأندية والاتحاد من أجل بذل الجهود الإضافية وتنفيذ الخطط والبرامج التي تدعم استمرار حصول اللاعب العماني على ثقة الأندية الكبيرة الخليجية أو الأوروبية وحتى يستمر الاحتراف الخارجي في تصاعد عدد اللاعبين ويتم تسجيل أرقام قياسية في ظل توفر القناعة بموهبة وقدرات اللاعب الوطني لفرص احترافية جيدة كان ينظر إليها باعتبارها مكسبا فنيا رائعا للكرة العمانية.
بدأت الأنظار تتجه للاعب العماني منذ سنوات طويلة وتحديدا في العام 2004 وحينها شهد الاحتراف الخارجي قمة حضوره عبر جملة من التعاقدات للجيل الذي مثل المنتخب الوطني الأول في تلك الفترة بنهائيات أمم آسيا وبطولات كاس الخليج.
وتباينت النسبة بين فترة وأخرى إلا أن الاحتراف الخارجي لم يتوقف وخلال بطولة كأس الخليج الثالثة والعشرين بالكويت والحصول على لقبها فتح الباب أمام فرص كبيرة للاحتراف الخارجي وعادت الثقة من جديد في مهارات اللاعب العماني وقدرته على منافسة اللاعبين في القارتين الآسيوية والإفريقية.
يمثل الاحتراف الخارجي للاعب العماني إحدى سياسات اتحاد الكرة ومقاصد الجهاز الفني للمنتخب الأول ولذلك تجد أي صفقات احتراف خارجي التشجيع والدعم الكامل من المسؤولين في الاتحاد وكذلك الأندية التي لم تتأخر في الموافقة على خوض نجومها تجارب احترافية حقيقية تضيف لهم مهارات وخبرات تدعم مسيرتهم مع المستديرة.
يضع لاعبو المنتخب الوطني الأول فكرة الاحتراف في أذهانهم وتعد واحدة من طموحاتهم وأهدافهم في مشاركتهم مع الأحمر بالبطولات الإقليمية والقارية والدولية لذلك يحرصون على تقديم العروض التي تلفت لهم أنظار وكلاء اللاعبين والمسؤولين في الأندية الخليجية وغيرها.
حرص (عمان الرياضي) على طرح قضية احتراف نجوم الكرة العمانية في الدوريات الخليجية أو الآسيوية باعتبارها واحدة من أهم المشاريع التي ترتبط بمستقبل الكرة العمانية واستمرار اللاعبين في الاحتراف وبلوغ أقصى الدرجات واللعب مع الأندية الكبيرة في ظل وجود تجارب ناجحة بلغت مستويات رائعة في مشوار الاحتراف مثال الحارس الأمين علي الحبسي.
أجرت الصحيفة تحقيقا حول مشروع الاحتراف الخارجي للاعب العماني الذي يعاني اليوم من التراجع واستمعت للآراء الفنية والإدارية التي كشفت أسباب ذلك التراجع في عدد الأسماء المحترفة خارجيا ورسمت خطوطا توضح كيفية الاستفادة من الاحتراف الخارجي حاضرا ومستقبلا.
لماذا؟
سألنا مدير المنتخب الوطني الأول لكرة القدم مقبول البلوشي وطرحنا عليه السؤال الذي يقول لماذا تشهد تجربة احتراف اللاعب العماني خارجيا تراجعا كبيرا ولم يتم استثمار النجاحات التي تمت في السابق؟ يقول مقبول: إن فترة الازدهار في احتراف اللاعب العماني في الدوريات وخاصة الخليجية تمت ما بين عامي 2005 – 2012 عندما توفر للكرة العمانية جيل يملك القدرات الفنية العالية والموهبة الفذة، صحيح أننا نعيش حالة من التراجع، وتعود الأسباب إلى التغييرات التي حدثت في لوائح المسابقات الخليجية فقد كان اللاعب الخليجي في السابق يعامل باعتباره مواطنا لا يجد منافسة من اللاعب الآسيوي واليوم الوضع تغير وباتت فرص نجوم آسيا أفضل تحديدا في الدول المتطورة كرويا ويعيش نجومها نضوجا احترافيا كاملا.
ويضيف مدير المنتخب الوطني أسبابا أخرى أدت لتراجع النسبة في عدد المحترفين خارجيا، منها الجوانب الفنية في المنتخب والدوري وثقافة اللاعب نفسها التي يعتبرها ذات تأثير كبير وأدت إلى عدم استمرار تجربة الاحتراف الناجحة في الخارج لأن اللاعب العماني لا تنقصه المهارة ولا القدرة مقارنة بغيره من اللاعبين الخليجيين والعرب والآسيويين ولكن الغالبية لا تقدر حجم موهبتها ولا تتعامل معها بعقلية احترافية وربما لا يصدق أحد بأن هناك لاعبين لا يعرفون كيف يعدون سيرة ذاتية لهم ويجمعون مقاطع فيديو لمشاركاتهم مع ناديهم والمنتخب مشيرا إلى أن اللاعب تجد معه 5 هواتف ذكية تتمتع بأفضل التقنيات لكنه لا يجتهد في إعداد سيرة ذاتية تكون جاهزة تساعد في تسويقه.
وطالب مقبول بضرورة مراجعة هذا الملف لكونه من الأمور المهمة جدا ويشكل أحد أركان تطور الكرة العمانية، والمسؤولية لا تقع على عاتق اتحاد الكرة بل للنادي دور وكذلك اللاعب وهي في النهاية شراكة يجب أن تتضافر فيها الجهود وأن يتم بحث علمي لأسباب غياب التجارب الاحترافية الناجحة في الحاضر وتراجع فرص الاحتراف الخارجي للاعب العماني بعد أن ازدهرت في السابق.
كيف؟
كيف تحقق النجاح في السابق و حضر عدد كبير من اللاعبين في الدوريات الخارجية وقدم اللاعب العماني مستويات فنية باهرة في تجارب الاحتراف الخارجي وشارك في أندية كبيرة وسجل حضورا مشرفا لفت له الأنظار وللكرة العمانية؟
أفضل من يتحدث عن ذلك ويشرح كيف حدث ذلك في السابق النجم الكبير السابق عماد الحوسني الذي يعد من أبرز نجوم الكرة العمانية الذين خاضوا تجارب احترافية ناجحة وتركوا بصمة لا تزال آثارها موجودة وذاكرها حاضرة.
ويكشف النجم المخضرم عماد الحوسني بأن من أهم الأسباب التي ساعدت جيله للحصول على فرص احترافية كبيرة وجعلته منتشرا في الدوريات الخليجية تتمثل في توهج اللاعبين في تلك الفترة وتفانيهم في العمل والتدريبات بجانب ما حصلوا عليه من بناء تم برؤية احترافية منذ وجودهم في المراحل السنية بجانب طموحات اللاعب ومهاراته الطيبة.
وأشار إلى أن العروض القوية التي قدموها في نهائيات أمم آسيا في الصين عام 2004 وبطولات كأس الخليج في تلك الفترة جعلت العيون تتجه اللاعب العماني وانهالت عليه العروض ولم يقتصر الاحتراف على التشكيلة الأساسية بل حتى لاعبي الاحتياطي حصلوا على الفرصة واحترفوا.
ويرفض الحوسني أن يكون ما حدث في تلك الفترة نتيجة صدفة بل يرده للعمل السليم بداية من السنوات الأولى في فرق المراحل السنية ومن ثم منتخبات الناشئين والشباب والأولمبي فقد كانت هناك رؤية فنية وإدارية هيأت أفضل الظروف للاعبين ليفجروا قدراتهم وتظهر مواهب اللاعب العماني ومن ثم يكون مقنعا لكل ناد يبحث عن اللاعب الذي يستطيع تقديم الإضافة الفنية الكبيرة لفريقه. ويطالب الحوسني بضرورة مراجعة الخطط التي تنفذ والسعي لوضع برامج تستهدف تطور اللاعب العماني وجعله جاهزا للاحتراف وهذا دور الإدارة وكذلك اللاعبين أنفسهم إذا لا بد من أن يكون هناك طموح وهدف من لعب كرة القدم.
أين
تراجع عدد نجوم الكرة العمانية المحترفين في الخارج يثير عددا من التساؤلات المشروعة في مقدمها سؤال يقول: أين الخلل الذي تسبب في غياب الحضور المنشود للاعب العماني في الدوريات الكبيرة الخارجية وتحقيق النجاحات المطلوبة ؟
يجيب على هذا السؤال المدرب الوطني يعقوب الصباحي الذي عمل عدة سنوات مدربا لمنتخبي الناشئين والشباب ويعد من بين أكثر المدربين العمانيين حرصا على بناء القاعدة الكروية السليمة التي تدعم تطور الكرة في السلطنة وتساعد في بروزها وحضورها المشرف إقليميا وقاريات ودوليا ومن ثم تزايد فرص الاحتراف الخارجي.
يرى الصباحي أن الخلل يعود إلى غياب البرامج والخطط التي يتشارك الجميع في تنفيذها والحرص على استمرارها بأن لا يتم هدم أي برامج تنفذ في فترة ما ثم يأتي مسؤول جديد ويوقف العمل أو يهدمه لأن صناعة القاعدة من المسائل التي يجب أن لا يحدث فيها أي توقف أو تعديلات جوهرية تؤثر على فرص النجاح وبناء جيل يملك مواصفات فنية طيبة ولديه القدرة على دعم الكرة العمانية وفي ذات الوقت الحصول على فرص احتراف خارجية ذات قيمة.
وأشار إلى أن العمل في بناء اللاعبين لا يقاس بعدد السنوات بل بجودة البرامج واستمرارها ومعالجة السلبيات ودعم الإيجابيات في ظل وجود أهداف واضحة من أجل صناعة لاعب كرة كامل المواصفات. ويؤكد الصباحي أن غياب التخطيط والعلم الاحترافي في القاعدة يؤثر سلبا على فرص احتراف اللاعب العماني لذلك علينا أن نعالج الخلل من جذوره حتى نفتح آفاق المستقبل واسعة أمام اللاعب العماني والذي يمثل نجاحه نجاحا للكرة في بلاده.
هل؟
البعض يحمل مسؤولية تراجع أسهم اللاعب العماني خارجيا لقصور في جانب التسويق والمسؤول عنه وكلاء اللاعبين. وسألنا وكيل اللاعبين العمانيين موسى الهدابي: هل فعلا هناك قصور في التسويق وأن اللاعب في السلطنة لا يحصل على دعم وكلاء اللاعبين حتى يحصل على عروض خارجية تساعده على خوض تجربة احترافية حقيقية ؟
وقال: بالعكس نحن نشعر بخيبة إزاء الوضع الحالي بتراجع نسبة اللاعبين العمانيين المحترفين في الخارج ونأمل بأن تكون هناك أسماء كبيرة مثل النجوم السابقين كعماد الحوسني وأحمد حديد وفوزي بشير وهاشم صالح وآخرين.
وأشار إلى أن الجيل الحالي يحتاج فكرا احترافيا فهناك أسماء لمعت وأخرى اضمحلت لغياب العقلية الاحترافية ولا يجيدون التعامل مع وكلاء اللاعبين فمثلا تجد مدير الفريق سمسارا وأيضا شقيق اللاعب وصديقه ويمتد الأمر إلى رئيس النادي وهؤلاء جميعا ليس لديهم العلاقات ولا المعرفة لتسويق اللاعب كما يجب.
ولديَ تجربة في العمل من أجل احتراف أكثر من لاعب في المنتخب آخرهم المنذر العلوي حتى وصل الموضوع إلى رئيس الاتحاد العماني لكرة القدم ولكن تم وضع عراقيل أمام الصفقة لذلك نحتاج للمزيد من العقلية الاحترافية عند اللاعبين والإداريين.
ويرى الهدابي أن عدم تفريغ اللاعبين ليس العائق الوحيد أمام الاحتراف بل غياب الثقة والمخاوف من فك الارتباط بالوظيفة في ظل الضمانات المستقبلية لديهم وهو ما يشوش على الفكر الاحترافي الذي بات ضرورة ملحة للسير في ركب تطور الرياضة ولابد كذلك من معالجة الفكر الإداري الخاطئ ومن أبرز السلبيات جعل لاعبي الكرة يركزون في الاحتراف على الجانب المادي فقط بل أحيانا تتاح فرص يمكن استثمارها وتقودك إلى كسب أموال أكبر مما كنت تتوقع.