محطات تحلية الماء والاستمطار الصناعي والسدود ومراكز الأبحاث -
قراءة : ســالم الحسيني -
ناقشت الورقة البحثية التي ألقاها حسن بن علي الشعيبي في الندوة الفقهية الخامسة عشرة.. «فقه الماء في الشريعة الإسلامية- أحكامه الشرعية وآفاقه الحضارية وقضاياه المعاصرة» والتي أقيمت في الأول وحتى الثالث من ديسمبر 2019 بمسقط- عدة مباحث من أهمها: حكم الشفعة في المنقولات وفي الحقوق المتعلقة بمصادر المياه والوقف.. كما تطرقت إلى الصيغ الحديثة لتفعيل دور الوقف في الحياة المعاصرة.. وقد بيّن الباحث من خلالها أن الإسلام اهتم بالماء اهتماما بالغا من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وآراء العلماء. إذ بينت النصوص الشرعية واجتهادات علماء الإسلام طرق استعمال الماء والمحافظة عليه حسب احتياجات الإنسان له. ومن الجوانب التي اهتم بها الإسلام: جانب أوقاف الماء وأحكامها، حين شجع الإسلام على الوقف عموما ووقف الماء خصوصا، فنجد أن بئر رومة مثلا التي أوقفها عثمان بن عفان من أهم الوقوفات في الإسلام، والتي لا تزال إلى اليوم. وقد تنافس المسلمون في الوقف المائي تنافسا طال عدة مجالات من أهمها في هذا الجانب: توفير مصادر المياه وسقايتها، وحفر الآبار والقنوات وإجراء العيون وإيصال الماء إلى حيث يحتاجه الناس، وتوفير آلات لاستخراج المياه. وحاول الباحث في هذه الورقة بحث «الأوقاف وعلاقتها بفقه الماء» مبينا: العلاقة بين الأوقاف وفقه الماء سواء من حيث البعد التاريخي والحضاري، ومن حيث المنظور الفقهي. وقد تحدث الباحث في المبحثين الأول والثاني عن مفهوم الماء ومصادره ثم مفهوم الوقف وأنواعه وبيّن الباحث العلاقة بين الوقف والماء وركز على البعدين التاريخي والفقهي.
البعد التاريخي
ظل الارتباط وثيقا بين الوقف والماء على مر العصور في التاريخ الإسلامي، إذ أدرك المسلمون أهمية الماء شريانًا للحياة، فأسسوا الأمصار والمدن بالقرب من مصادر المياه، ونجد أن العلماء المسلمين وضعوا ستة شروط ضرورية لعمــارة المــدن، وهي: سعة المياه المستعذبة، وإمكان الميرة المستمدة، واعتدال المكان الموافق لصحَّة الهواء والتربة، والقرب مما تدعو الحاجة إليه من المراعي والأحطاب، وتحصين المنازل من الأعداء، وأن يحيط بالمدينة سواد (أرض زراعية خصبة) تعين أهلها بموادها. وتوالت أوقاف المياه منذ بداية نشأة نظام الوقف، وتأسى الواقفون برسول الله صلى الله عليه وسلم في حثه على الوقف بصفة عامة، ووقف بئر رومة بصفة خاصة بالنسبة لمن اختاروا تخصيص ريع وقفياتهم، أو جزء منه لتوفير المياه، أو قيامهم بوقف مصدر من مصادرها كبئر أو عين أو حصة مقدرة من أي من تلك المصادر.
البعد الفقهي
وفي هذا الباب أشار الباحث إلى أن العلماء المسلمين اهتموا بأحكام الوقف، وألفوا مؤلفات كثيرة اعتنت بتفاصيل العملية الوقفية، فنجد أن العلماء تكلموا عن شروط الواقف والموقوف والموقوف عليهم، وغيرها من الأحكام بصفة تفصيلية، والوقف المائي تضمنت أحكامه الأحكام العامة للوقف. مشيرا إلى أن أحكام الوقف تطورت تطورا كبيرا بعد أن بدأت بوقف العقار، ومع مرور الزمن ظهرت صور جديدة للوقف وأبدع علماؤنا في تحرير مسائلها بين مانع لبعض الصور ومجيز لها، وكل ذلك مراعاة لمصلحة الوقف وضمان بقاء أصله واستمرار منفعته. وفي المبحث الثالث تحدث الباحث عن: فقه وقف الماء والصيغ الحديثة لأوقاف المياه وقسمه إلى ثلاثة مطالب: المطلب الأول: فقه وقف المختص بملكية الماء خاصة، وتجري على وقف الماء نفس الأحكام العامة لما يوقف من عقار ومنقول، إلى جانب أحكام خاصة تختص بملكية الماء وحقوق الارتفاق والشفعة. وقد اختلف الفقهاء في انتقال ملكية العين الموقوفة بعد إنشاء الوقف بصورة صحيحة على ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوقف متى صدر عن أهله مستكملا لشروطه صارت العين الموقوفة على حكم ملك الله تعالى. والقول الثاني: ذهب متقدمو الإباضية، وقول الإمام أبو حنيفة والمالكية والحنابلة في رواية، إلى أن الوقف يبقى على ملك الواقف، إلا أنه لا يحق له التصرف في العين الموقوفة بالبيع، أو الهبة، ولا تورث عنه. أما القول الثالث: ذهب الحنابلة في المذهب والشافعية في قول مرجوح إلى أن الوقف يخرج من ملك الواقف، ويدخل في ملك الموقوف عليه. مبينا: أن الراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الوقف متى صدر عن أهله مستكملا لشروطه صارت العين الموقوفة على حكم الله تعالى.
أما المطلب الثاني: حقوق الارتفاق والشفعة للمصادر المائية الموقوفة: فأوضح من خلاله أن حق الارتفاق هو: حق متقرر لمنفعة عقار آخر مالكها مختلف، أو لمنفعة شخص بغير إجارة أو إعارة أو وقف أو وصية. وأوضح أن من المسائل التي اختلف فيها العلماء في حقوق الارتفاق مسألة وقف حق الارتفاق منفردا عن أصله على قولين: القول الأول: صحة وقف حق الارتفاق وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا على قولهم بما يلي: جواز بيع حق الارتفاق منفردا، وكل ما جاز بيعه جاز وقفه. وأن المقصد من الوقف هو انتفاع الموقوف عليهم، وحصول الواقف على الأجر، وهذا المعنى موجود في وقف حق الارتفاق. وأن حق الارتفاق منفعة مقررة على عقار، والمنافع أموال متقومة مقصودة لذاتها، فصح وقف الحق منفردا.
والقول الثاني: عدم صحة وقف حق الارتفاق، وهو مذهب الحنفية. واستدلوا بأن حق الارتفاق ليس بمال لأنه لا يمكن حيازته، ولذلك لا يجوز بيعه ولا إجارته استقلالا. ويأتي حق الارتفاق على عدة صور من ناحية ارتباط الماء بالوقف: أن يكون الماء عنصرا أساسيا في ذات أعيان الوقف: حيث إن هذه الصورة هي الغالبة في علاقة الوقف بالمياه ومصادرها وأنماط إدارتها على وجه العموم. وتتجلى هذه الصورة بوضوح إذا نظرنا إلى التكوين المادي لنظام الوقف؛ إذ تجده يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة يدخل الماء في كل قسم منها من باب أنه ضرورة لا تتم منفعة الوقف دونها، وهذه الأقسام هي: الأراضي الزراعية. والمباني السكنية والمنشآت الحرفية والصناعية الموقوفة، والمؤسسات الوقفية.
وأشار الباحث إلى أن هناك صورة أخرى للحق فقد يكون الوقف حقا من حقوق الارتفاق على مصدر من مصادر المياه، ومن ذلك مثلا: حق الشفعة وحق الشرب، على أن تتحمل جهة الوقف أي مصروفات أو رسوم أو ما شابه ذلك لضمان وصول المياه إليها أسوة بغيرها من الجهات أو الأراضي غير الموقوفة سواء بسواء. كما أوضح أن مصادر المياه كما سبق وذكرنا تعد من المنقولات وتتعلق بهذا الاعتبار عدة مسائل لا بد من دراستها حتى نبين الحكم الشرعي في الشفعة في المصادر المائية، وهذه المسائل هي: حكم الشفعة في المنقولات، وحكم الشفعة في الحقوق المتعلقة بمصادر المياه، ثم بعد ذلك حكم الشفعة في الوقف.
المسألة الأولى: حكم الشفعة في المنقولات، حيث اختلف العلماء في حكم الشفعة في المنقول على قولين: القول الأول: إن الشفعة ثابتة في المنقول كما هي ثابتة في العقار. وهو قول الظاهرية، ورواية عن الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد. والقول الثاني: إن الشفعة لا تثبت في المنقول. وهو قول الجمهور من الإباضية والحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
أما المسألة الثانية: حكم الشفعة في الحقوق المتعلقة بملكية العقار فأوضحت أن أهل العلم اختلفوا في الشفعة بسبب حق من حقوق الارتفاق كالشرب والمسيل على قولين:
القول الأول: قول كل من المالكية والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، بعدم ثبوت الشفعة بهما. والقول الثاني: ذهب الحنفية، وبعض التابعين، ومن الإباضية الشيخ اطفيش في كتابه شرح النيل، إلى ثبوت الشفعة بهما. أما القول الثالث: ورواية عن الإمام أحمد واختيار ابن تيمية وابن القيم، والشيخ اطفيش، فذهبت إلى أن الشفعة تثبت إذا كان الشفيع جارا ملاصقا ومشاركا للبائع في أحد حقوق الملكية كالشرب والطريق والمسيل، أما إذا كان الخليط في أحد حقوق الملكية دون أن يكون جارا ملاصقا أو العكس فإن الشفعة لا تثبت.
والمسألة الثالثة: حكم الشفعة في الوقف.. وللفقهاء قولان في شفعة الموقوف: القول الأول: سقوط الشفعة في الوقف: ذهب إلى هذا القول الحنفية والظاهر عند الشافعية وهو الصحيح عند الحنابلة والإباضية. واستدلوا على ذلك بما يلي: أن الشفعة لا تثبت إلا في ملك تام، والوقف لا مالك له. وأن الشفعة لا تثبت إلا في البيع، والوقف لا يباع. والقول الثاني: ثبوت حق الشفعة في الوقف، وهو قول عند المالكية، ووجه عند كل من الشافعية والحنابلة. قالوا: إن إيقاف العين لا يخرج ملكيتها، إلا أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث.
وذكر أن من الصيغ المعاصرة لتفعيل دور الوقف في تنمية المصادر المائية وحمايتها وتفعيل دورها في الحياة العامة للمجتمعات العربية، فكرة الصناديق الوقفية، إذ تنشأ هذه الصناديق لغرض النفع العام للمجتمع بأكمله أو شريحة من شرائحه، ويمكن تفعيل فكرة الصناديق الوقفية في توفير المياه العذبة، وإقامة مشاريع ضخمة تخص المياه والمحافظة عليها ويمكن أن نعدد بعض المجالات الجديدة إلى جانب الأوقاف المتعارف عليها في مجال حفر الآبار وإجراء العيون التي يمكن للوقف أن يتبناها في مجال توفير المياه والمحافظة عليها.
أولا: الوقف على محطات تحلية الماء، وثانيا: الوقف على تقنية الاستمطار الصناعي، وثالثا: الوقف على تقنيات إعادة استعمال المياه، ورابعا: الوقف على السدود، وخامسا: الوقف على مراكز الأبحاث المختصة ببحوث المياه.