في زاوية مقالات وآراء كتب وليد الهودلي مقالاً بعنوان: الجرافة،جاء فيه: مشهد الجرافة التي تقتلع جثة الشهيد المتشبثة في تراب وطنها تلخّص حالة الحركة الإسرائيلية الاستعمارية في بلادنا.
الجرافة كتلة حديدية صلبة صماء، مفصّلة بطريقة ديناميكية تجمع بين الميكانيكية والهيدروليكية، يحركها محرّك ضخم، وهي ذات قوّة كبيرة في تحويل الوقود إلى قدرة عالية على الجرف والحمولة الكبيرة، صنعت لجرف المواد الصلبة الثقيلة وللتغيير الجغرافي في الطبيعة البريئة سواء كان ذلك في الخير أم في الشرّ.
أرى أن هناك تشابها كبيرا بين الحركة الصهيونية والجرافة، إلا أن هذه الحركة لم تستخدم قدرتها الكبيرة إلا في الشرّ والإفساد في الأرض.
فمادة الحديد الأصم الذي يشكل جسم الجرافة هي المادة ذاتها التي تشكل قلوبهم، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة. الجرافة تقتلع الحجارة، وهي من مادّة أشد قسوة، هم كذلك كتلة حديدية تعمل عملها بشكل آلي بلا قلب، يدّعون أنهم ضحية للمحرقة النازية ثم يمارسون على الشعب الفلسطيني الذي لا علاقة له بهذه المحرقة ما هو أشد وأقسى مما يدّعون، يمارسون الاحتلال البشع كآلة حديدية صمّاء لا علاقة لها بأحاسيس أو مشاعر إنسانية. بنوا كيانهم على أنقاض مدن وقرى كانت عامرة بأهلها، اقتلعتهم هذه الجرافة التي تسمّى الحركة الصهيونية من ديارهم وألقت بهم في مخيمات الشتات دون أن يرفّ لها جفن. إنهم جرافة حديدية صمّاء لا تفقه لغة القلوب. قلب سائق الجرافة التي قضت على المتضامنة الأمريكية راشيل كوري هو القلب ذاته الذي لا يلتفت إلى القلوب الفلسطينية والعربية وكل قلب بشري حرّ وهو يدوس على جثة شهيد فلسطينيّ. هو مجرّد تطبيق عملي للجرافة التي تسمى الحركة الصهيونية.
وإذا كان وقود الجرافة العادية هو السولار فإن وقود هذه الجرافة «الحركة الصهيونية» هو الحقد الأسود الذي يغذّيها من خزانات الوقود السوداء المتمثلّة في حاخامات يلقنونهم أن الفلسطيني ما هو إلا حشرة أو أفعى سامة، اقتله أو اسحقه أو اسحله أو عذّبه وأنت مجرّد من كل الأحاسيس أو المشاعر التي تسكن كل البشر. وقودها أيضا هو هذا الدعم الأمريكي والغربي وكل من تواطأ معهم من العرب والعجم. كل من يقف أو يؤيد أو يطبع فهو وقود لهذه الجرافة التي تسمى الحركة الصهيونية.
وإذا كان محرّك الجرافة من النوع القوي المتين ذي القدرة العالية فإن ما زوّدت به الحركة الصهيونية نفسها من عتاد من الرصاصة إلى النووي أعطاها قدرة عالية على الجرف وتنفيذ خططها والغطرسة والاستهتار بقدرات الآخرين وغرور القوة الذي يجعلها تعتقد أنها قادرة على كلّ شيء وعلى تغيير مسار التاريخ وتضاريس الجغرافيا. لقد بلغ سيل قوتها الزبى فجاءت بقضّها وقضيضها، بحدّها وحديدها، لتواجه جثّة شهيد فتخرج له كلّ أحقادها وسواد نفوسها.
ومع هذا فإنها تخاف وتخشى جثة شهيد، تسرع لاجتثاثه بأبشع الطرق وباستخدام جبروت جرافتها، الصورة المصغّرة عنها، ينتابها الهلع وتخشى أن تدور عليها الدوائر، تخشى من هذه الدماء الزكية التي تروي ثرى فلسطين طواعية ولا تخشى جبروتها.
هذه الجرافة الصماء (الحركة الصهيونية) اليوم تعاند حركة التاريخ، تعاند سنن الله وقوانينه التي أودعها في هذه الحياة، ما من ظالم خرج عن هذا الناموس الكوني وجرّد نفسه من أدنى درجات الأخلاق الإنسانيّة وأمعن في قهر العباد ونشر الفساد وأهلك الحرث والنسل، إلا وهو يسرع إلى حتفه وطيّ صفحة حكمه والاندثار كما كانت دائما عاقبة المفسدين على مرّ التاريخ. سيبقى هذا المشهد نورا للمشتبكين مع هذا الطاغوت ونارا تحرق كلّ صورة لهم يحاولون تصديرها للعالمين وإخفاء صورتهم الحقيقية. صورتهم هي صورة هذه الجرافة التي تعتدي على جثة شهيد.