تبصّر من العمى وتهدي من الضلالة وتؤلف من التنافر -
أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -
دعا سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة كل القادرين على أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن يضطلعوا بها؛ فإن التفريط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤدي إلى التساهل في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفي سائر الفروض وفي طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأكد سماحته على أن الدعوة إلى الله ضرورة من ضرورات الحياة ولا تستقيم إلا بها فهي تبصّر من العمى وتهدي من الضلالة وتؤلف من التنافر.
وحول ما يلقيه بعض الناس من اتهامات ضد المتدينين قال سماحته: إن الأصل في الإنسان المسلم براءة ذمته وعدم لحوق التهمة به ما لم يتبين وقوعه في الانحراف.
ونبه سماحته إلى أنه لا يمكن أن يجتهد في الأمور الفقهية والشرعية إلا من استجمع وسائل الاجتهاد هذه الوسائل لها شروط.
ودعا سماحته الإعلام إلى القيام بدوره خير قيام مؤكدا أن مسؤولية الإعلام خطيرة ويجب أن تكون وسائله بأيد أمينة.. وإلى الجزء الثاني من اللقاء.
❁ بعض طلبة العلم الديني لا يهتمون بالدعوة إلى الله وتوجيه الناس إلى الطريق السوي مع وجود الفراغ والقدرة المادية والمعنوية.. ما هي توجيهاتكم لهم؟
الدعوة إلى الله تعالى ضرورة من ضرورات الحياة، لا تستقيم الحياة إلا بالدعوة إلى الله، لأن الدعوة إلى الله تبصّر من العمى وتهدي من الضلالة وترشد من الغي وتجمع من الشتات وتؤلف من التنافر.
وبيّن الله سبحانه وتعالى أن المؤمنين والمؤمنات بينهم رباط الولاية إذ يشد بعضهم إلى بعض، إذ قال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ثم بيّن قوام هذه الولاية التي تشد المؤمنين بعضهم إلى بعض فقدم قبل كل شيء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى على أهم العبادات إذ قال: (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ثم قال بعد ذلك: (ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله).
نعم، قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أهم العبادات، العبادات البدنية وهي إقام الصلاة والعبادات المالية وهي إيتاء الزكاة وما ذلك إلا أن المحافظة على إقام الصلاة والمحافظة على إيتاء الزكاة منوطان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الإنسان إن فرط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أدى ذلك إلى التساهل في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأدى التساهل في سائر الفروض وأدى إلى التساهل في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك بدأ هنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة؛ ومع هذا في موضع آخر قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى على الإيمان عندما قال الله سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان لان الإيمان لا يستقر في النفوس ولا يرسخ في القلوب ولا يتكيف في الحياة إلا عندما يكون هنالك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لذلك كانت المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الضرورية فيما بين الناس والله سبحانه وتعالى بيّن أن الترابط بين الأمة والتوحد فيما بينها لا يكون إلا بالمعروف والنهي عن المنكر في معرض الدعوة إلى الترابط والنهي عن التفكك والاختلاف والشقاق والنزاع قال: (ولتكم منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
فمن الضروري بمكان أن يكون كل من كان قادرا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مضطلعا بهذه الأمانة لأنها أمانة الله وبهذا يتحقق اتباع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقول مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).
فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم عليه أن يترسّم هذه الخطوات وان يلتزم ذلك بحيث يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله عز وجل.
الحرص على كلمة الحق
❁ يلاحظ أن كثيراً من الناس يسقطون الثقة بداعية أو عالم لخطأ وقع منه أو شائعة قيلت عنه دون التثبت أو مراعاة الجوانب الخيرة الكثيرة في حياته فما تعليق سماحتكم على ذلك؟
من الواجب على المسلم أن يحسن الظن بالمسلم فإن سوء الظن إنما يعود إلى سوء العمل فالإنسان ينظر إلى غيره من مرآة نفسه فعندما يحس بأنه خارج عن منهج الحق يحمل الناس على ما هو عليه والثقة بالآخرين إنما تعود بالثقة بالنفس فالإنسان بقدر ما يكون واثقا من نفسه عارفا باستقامته فإنه يثق بغيره ما لم يتبين من الغير الخروج عن منهج الحق.
والإنسان عليه أن يكون دائما حريصا على كلمة الحق يميل مع القسط ويبعد عن الجور الله سبحانه وتعالى أمر بهذا مع العدو والصديق ومع البعيد والقريب فقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
فإذا العدل مطلوب مع القريب والبعيد والبغيض والحبيب والصالح والطالح مع كل الناس يطلب من الإنسان أن يكون عادلا.
وليس للإنسان أن يسيء الظن بغيره عليه أن ينصح فإن الدين النصيحة الله سبحانه وتعالى أمر الناس بأن يتآمروا بالخير وان يتعاونوا عليه ومن هذا التآمر النصيحة التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل له لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) فالكل مأمور بأن يكون ناصحا للجميع وسالكا مسلك الحق فعندما يتبين الإنسان من أحد الخطأ عليه أن يقدم إليه النصيحة بالتي هي أحسن، وعندما يصرّ هنالك موقف آخر، عندما يصر على خطئه ويأنف ويتكبر ولا يبالي بما وقع فيه من الأخطاء ولا يبالي بما صدر منه من مجانفة الحق هذا له حكم آخر وموقف آخر المؤمن عليه أن يقف موقف العدالة عند الكل، ومع هذا كله فالأصل في الإنسان المسلم براءة ذمته وعدم لحوق التهمة به ما لم يتبين عليه انه وقع في الانحراف.
الاجتهاد له شروط
❁ إذا أدى اجتهاد طالب العلم إلى مخالفته لبعض من أهل العلم مع انه على حق في ذلك.. فكيف لأهل العلم التعامل مع مثل هذا الطالب؟
لا يمكن أن يجتهد إلا من استجمع وسائل الاجتهاد، الاجتهاد له شروط، من هذه الشروط أن يكون ملما بما يحتاج إلى فهمه من القرآن الكريم فيما اجتهد فيه، وكذلك أن يكون ملما بما احتاج إلى فهمه والاستعانة به من السنة النبوية في الموضوع نفسه وان يكون ملما أيضا بأصول الفقه التي يحتاج إليها في استنباط الشرعية من أدلتها التفصيلية وان يكون ملما بمقاصد الشريعة التي يحتاج إليها أيضا في ترجيح الأقوال بعضها على بعض وان يكون ملما بما يحتاج إليه من السيرة النبوية لأنها تدخل أيضا في ترجيح بعض الأقوال على بعض، وأن يكون عنده من العربية ما يكفيه بحيث يكون عنده من علم النحو ما يكفيه ومن علم التصريف ما يكفيه ومن علم البلاغة ما يكفيه.
سلاح ذو حدين
❁ قلتم في أحد لقاءاتكم الصحفية: «لا بد للإعلام أن يكون أكثر بناء وأكثر حرصا على الوحدة وتأليف القلوب».. هل من توضيح أكثر لقولكم؟«»
الإعلام سلاح ذو حدين؛ إما أن يكون بنّاء وإما ان يكون هداما وهو من الخطورة بمكان، فلذلك يحتاج ان يكون بأيد أمينة تعرف كيف تتصرف فيه وكيف تديره وكيف تحافظ على أمانته وإبلاغ الكلمة، وعلى أي حال لأجل ذلك نحن نهيب بالمسؤولين الإعلاميين جميعا أن يتقوا الله وان يدركوا الأمانة التي بأيديهم والمسؤولية التي نيطت بهم لان الإعلام هو الذي يبني الأخلاق، أخلاق الأمة بحسب ما يكون عليه من استقامة أو عدمها، وهو الذي يبني فكر الأمة أيضا وهو الذي يبني شباب الأمة بحسب ما يكونهم عليه من أخلاق فاضلة أو العكس، وبحسب ما يكونهم عليه من فكر سليم أو العكس، وهو الذي أيضا يراعي الأحوال الاجتماعية في الأمة فهو إما أن يجمع وإما أن يشتت؛ ولأجل ذلك مسؤولية الإعلام نراها مسؤولية خطيرة ويجب أن تكون وسائله بأيد أمينة.
❁ هل يمكن القول: إن العلم والدين وجهان لعملة واحدة من معرفة الله والإيمان به وعبادته، وتطوير الإنسان في كافة المجالات، ليكون عقله ذا مستوى عال من الفهم في مجال الدين وأركانه وعبادة الله والحياة في جوانبها المختلفة مما يجعله في حالة من التوازن في عمله ودوره في الحياة؟
لا يمكن أن يكون الدين الحق إلا متواكبا مع العلم بحيث لا ينفصل عن العلم بحال من الأحوال لأن الدين من عند الله تعالى وقضايا العلم التي هي حقائق ثابتة إنما هي من عند الله سبحانه وتعالى فلا يمكن أن يكون هناك نشاز أو اختلاف أو اضطراب بين حقائق العلم وبين معطيات الدين أو تعليم الدين.
ونحن نجد أن من الغربيين من أدرك هذه الحقيقة ورسمها فمن فلاسفة الإنجليز (هكسلي) يقول (ان العلم والدين توأمان متلاصقان فصلهما يؤدي إلى موتهما فالدين يثبت ما كان علميا والعلم ينمو متى ما كان دينيا).
وكذلك من كبار المفكرين الغربيين من الألمان (ماكس بلانك) يقول: «إن الدين والعلم يقاتلان في معركة ضد الشك والجحود والخرافات وستكون دائما الصيحة إلى الله» ومعنى ذلك أن عددا كبيرا من فلاسفة الغرب أدركوا ضرورة مواكبة الدين للعم ومواكبة العلم للدين.
وعلى أي حال نحن نرى هذه الصفة في دين الإسلام، دين الله تعالى الحق، سواء من حيث التشريع أو من حيث العقيدة والفكر أو من حيث القصص التاريخي كل ذلك يتلاءم مع الدين ويتواكب معه ولا ينحرف عنه بحال.