«رمضان المنزلي».. مكسب كبير أم ندم على التقصير -
كــــــتـبـــت: مـــــــــــــــروة حســـــــــن -
لقد حلّ علينا شهر رمضان المعظم هذا العام، في حالة استثنائية لم نشهدها على مر حياتنا، وربما لم نكن نسمع بها من قبل، ولم تكن تخطر على بال أحدنا أن يحدث لنا هذا في يوم من الأيام، فهل خطر ببال أحدنا يوما أن يصوم رمضان دون أن يصلي صلاة التراويح في بيوت الله تعالى؟ وهل خطر ببال أحدنا أن يصوم رمضان دون أن يصلي حتى صلاة الجماعة «الفريضة» في المسجد؟ وهل خطر ببال أحدنا أن يصوم رمضان دون أن يتزاور حيث يجتمع مع الأهل والأصدقاء والأحباب على موائد الإفطار؟ التي يحلو الطعام منها بين من نحب، وهل كنا نفكر يوما أن يحل علينا رمضان دون أن نرى موائد الرحمن تحيط ببيوت الله في ربوع الأرض؟!، وهل كنا نتوقع أن يشرفنا رمضان دون أن نغدو ونروح إلى الأسواق بين الحين والحين للضرورة ولغيرها؟ وهل كنا نتوقع أن يأتينا رمضان دون أن نختار ملابس جديدة للعيد؟ إلى غير ذلك مما يتميز به شهر رمضان المبارك، فقد كنا نعيش تلك اللحظات المميزة طيلة هذا الشهر الفضيل كل عام وعلى مر حياتنا، ولكن بسبب جائحة كورونا المستجد «كوفيد 19» والذي اجتاح العالم، مما جعل اللجنة المنوطة بمحاربته اتخاذ التدابير اللازمة للحد من انتشاره، فكان من الضروري على الجميع الالتزام بتلك الضوابط حماية للجميع، وتلك ضرورة دينية واجتماعية ووطنية، وهذا ما يؤكده لنا أحد أئمة مسجد محمد الأمين بمسقط الشيخ محمود عدلي الشريف عن أبرز الإيجايبيات والسلبيات التي تمر بنا هذه الأيام خلال الشهر الفضيل، وأهم ما يجب أن نتعلمه من هذه التجربة الاستثنائية حيث يقول:
هذا العام رمضان مختلف كليا عما قبل حيث نصومه ونقومه ونحن في منازلنا، الأمر الذي جعله حقا استثنائيا، وهنا تظهر الفوارق بين أفراد المجتمع بين سلبية وإيجابية، فمن الناس من استغل رمضان أفضل استغلال وهو في بيته لم يغادره إلى للضرورة القصوى، وعلى العكس فإن من الناس من جرفته السلبية إلى ركن الكسل والخمول، فجاء عليه رمضان دون أن يستغله أو أن يستفيد منه. ومن باب قوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) أردت أن ألفت نظر إخواني القراء إلى هذا الأمر الهام، حتى يتسنى للجميع أن يستدرك ما فعله خلال شهر رمضان المبارك، ليحدد موقعه، وأين هو بالضبط من النفحات الربانية خلال شهر الصيام.
وأضاف قائلا: هناك صنف من الناس تمر عليه هذه الأيام من رمضان - وللأسف الشديد - يقضي ليله متسمرا أمام شاشات الهواتف أو التلفاز، ثم يتناول سحوره حتى أذان الفجر، ثم ينام معظم نهاره فيقوم بعد صلاة العصر، ليتجهز للإفطار ثم يتناول فطوره، ثم يجلس أمام التلفاز أو الهاتف أو غيرهما ساهرا ليله..
وهكذا، وقد سألت أحدهم: هل تصلي مع عائلتك؟ فقال لا، قلت إذن فهل تصلي وحدك الفرائض؟ فقال: لا !، فقلت: إذن لم تصل صلاة التراويح، فقال: كيف أصليها والمساجد مغلقة؟ فقلت: صلها وحدك أو مع أهل بيتك ! ولكن للأسف سكت ولم يرد، فقلت: وهل تشارك في طرق الخير والجمعيات الخيرية لإفطار الصائمين وغير القادرين؟
قال: لم أجد من أتواصل معه، ثم إن الجميع في المنزل فمن سأطعم! وهكذا تمر عليه أيام رمضان، أظن أنه لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش، وقد لا يشعر بهما لأنه كان طيلة يومه نائما، لم يدع للصلاة زوجة ولا ولدا، بات ليله ساهرا، ونهاره نائما إلا قليلا، نعم للأسف تمر عليه أيام شهر رمضان كغيرها من الأيام، تكاسل فلم يقرأ ولو صفحة واحدة من القرآن في شهر القرآن، ولم يصل ركعة واحدة في شهر مبارك تتضاعف فيه الحسنات، قام ليله ولكنه قامه بغير صلاة ولا قيام ولا تهجد ولا غيره، ومثل هذا الصنف من الناس نحزن عليه كثيرا، ولنتذكر قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل».
وقد قال المفسرون عن هذه الآية: معناه اثاقلتم إلى نعيم الأرض، أو إلى الإقامة بالأرض، وهو توبيخ لنا وتنبيه من الله تعالى أن لا تكون الدنيا أكبر همنا وأن نتذكر أنها متاع قليل وأن ما عند الله نعيم لا ينتهي في جنة الخلد.
وأوضح الشيخ محمود عدلي الشريف قائلا: وهناك صنف آخر من الناس قد التزم ببيته، فلما حل عليه شهر رمضان المبارك لم يعد له العدة كما يجب، فصام نهاره، وصلى الفرائض، ولكن! لم يزده بكثرة استغفار ولا صدقة ولا قيام ولا تهجد، فمن حيث الصيام كان صائما، ومن حيث الصلاة قام بأداء الفرائض فقط، ونجد هذا النوع مقصرا في جوانب أخرى كثيرة، فمثله كمثل الرجل الذي جاء لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يسأله كما روي «عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا»وقد يسأل سائل هنا: إذا كان قد صام وصلى الفرائض إذن فما هي السلبية في هذا؟ والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال تتضمن عدة أسئلة، ألا وهي: صام رمضان، نعم فهل تابع أهل بيته في صحة صيامهم؟ وهل تابع صغيرا منهم لتدريبه على الصيام؟ صلى الفرائض فقط، فما الذي منعه أن يحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة التراويح؟ وإن تحجج بأنها لا تصلى في المسجد، أقول له: إن صلاتها في البيت كان أوسع لك من الصلاة في المسجد، فصلاتها في المسجد كان سيربطك بصلاة الجماعة التي بدورها إن تأخرت عنها تقدمت عنك ، ولكنك إذا صليتها في البيت فلك أن تطيل أو أن تقصر، ولك أن تتابع أو أن تستريح، ولك أن تصليها بعد العشاء مباشرة أو أن تؤخرها قليلا، فلماذا لم تقم بذلك؟ هذه واحدة، الثانية: هل قام بصلاة الجماعة في بيته؟ هل اصطحب معه أهله لأداء كل الصلوات من الفرائض والنوافل كالتراويح وقيام الليل «التهجد»؟ ، وإذا لم يقم بذلك فقد ترك واجبا وهو دعوته لأهل بيته، وتدريبهم على أداء العبادة معا، واستغلال فرصة الالتزام بعدم الخروج من البيت أفضل استغلال، وكيف ينسى جانبا هاما وهو مسؤول عنه يوم القيامة، كما جاء في الحديث الذي رواه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « كُلُّكُمْ رَاعٍ وكلكم مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
وأضاف قائلا: يجب على كل زوج وأب أن يأخذ بيد أهل بيته وأن يستغل جلوسه في البيت ليجمع ذويه على طاعة الله وسنن رسوله الكريم في الأيام المباركة ولنتأمل جميعا ما حكى أن أبا يزيد البسطامي رحمه الله لما تَحَفَّظَ قوله سبحانه: «إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك» قال: «يا أبت إني أسمع أن طائفة كانوا يقومون الليل، فمن هذه الطائفة؟ «، قال: «يا بني! أولئك الصحابة رضي الله عنهم»، قال: «يا أبت: فأي خير في ترك ما عمله النبي - صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه؟».
قال: «صدقت يا بني، فكان أبوه بعد ذلك يقوم من الليل ويصلي، فاستيقظ أبو يزيد ليلة فإذا أبوه يصلي، فقال: «يا أبت: علِّمني كيف أتطهر وأصلي معك»، فقال أبوه: «يا بني ارقد فإنك صغير بعدُ»، قال: يا أبت: إذا كان يومُ «يصدر الناس أشتاتًا لِيُرَوْا أعمالهم» أقول لربي: إني قلت لأبي: كيفي أتطهر لأصلي معك؟ فأبى، وقال لي: «ارقد، فإنك صغير بعد»، أتحب هذا؟ ، فقال له أبوه: «لا والله يا بني ما أحب هذا»، وعَلَّمه فكان يصلي معه، فلنأخذ بيد أحبائنا هذه الأيام وليكن رمضانا استثنائيا في الطاعات والقرب من الله.