د. عبدالله باحجاج -
كيف تفكر وزارة العمل في حل قضية الباحثين عن عمل؟ كان هذا التساؤل محط اهتماماتي مؤخرا بعد أن تلقيت اتصالات من باحثين عن عمل من الجنسين، وهم في حالة قلق مرتفعة من مشارف سنهم الأربعين عاما، ولا بلا عمل حتى الآن، وهي التي جعلتنا نفتح ملف الباحثين عن عمل في هذه المساحة، لذلك تواصلنا مع مصادر رسمية رفيعة المستوى، للاطلاع على ما استقرت عليه خطة وزارة العمل في قضية جيل المستقبل.
سنقسم مقالنا الى ثلاثة محاور أساسية الأول: قلق من مشارف سن الأربعين، الثاني: خطة وزارة العمل لتأمين الحق في العمل المستدام. والثالث: الأهم في التنفيذ ونجاحه وليس التنظير.
المحور الأول: قلق من مشارف سن الأربعين
نبدأ بهذا المحور كونه كان المحرك الأساسي لفتح ملف الباحثين عن عمل، مع إيماننا بأن قضية الباحثين كلها ذات خصوصية واستثنائية ملحة، إلا أن من قارب فقدان حق العمل بسبب السن، يحرك الضمائر في العمل الاستثنائي المستقل دون أن يكون ذلك على حساب حقوق الباحثين الآخرين، لأن الكل يدخل في نطاق الاستثنائية لطول الانتظار، وللظروف الاجتماعية، والآمال والطموحات الفردية والأسرية.
وهنا ندعو وزارة العمل إلى اعداد خطة استثنائية لحالات الباحثين عن عمل وفق المعيار السني والظروف الاجتماعية، كمعالجة نوعية في إطار المعالجات الكمية لقضية الباحثين عن عمل، ليس لدينا معرفة بعدد الباحثين عن عمل الذين قاربوا سن فقدان الحق في العمل، لكننا ندعو إلى تفكير خاص لهذا النوع من الباحثين عن عمل. وقد وجدنا بعضهم يحملون شهادات الماجستير وآخرين الثانوية العامة، ومن المؤكد سنجد حملة البكالوريوس.
وهنا نقترح تشكيل لجنة خاصة بهذا الملف، تحصر الأعداد وتقدم مرئياتها للحل دون المساس بحقوق الباحثين عن عمل المعروضة للتنافس العام، وإنما اعتباره جهدا إضافيا نوعيا يتم من خلاله إشراك القطاعات في حله للظروف الإنسانية لهذه القضية، وقد يكون من بين الحلول إعادة النظر في التشريع فيما يتعلق بسن العمل كحل مؤقت، الأهم، الانفتاح على هذه الخصوصية وبعث رسائل اطمئنان بأن حقهم في العمل لن يسقط بتقادم السن.
المحور الثاني: خطة وزارة العمل لتأمين الحق في العمل المستدام.
حصلنا على مضامين هذه الخطة من مصادرها الرسمية، وفور قراءتنا لملامحها وتفاصيلها، وجدنا أفكارها غير تقليدية وتستحق التوقف عندها لأهميتها، ففيها من الحوافز والتشجيعات ما يحملنا مسؤولية عرضها بعد أن تولد لدينا حالة استغراب كبير حول غياب التفاعل الشعبي الكبير معها، ترى ما هي الأسباب؟
سنطرح مجموعة فرضيات في شكل التساؤلات التالية:
هل هناك تقصير في تسويق وترويج الخطة إعلاميا؟ منذ الوهلة الأولى تبدو لنا هذه الفرضية قائمة.
س: هل وراءه فقدان الثقة في التطبيق نظرا لتجارب سابقة في هذا المجال؟ السلطة الجديدة القائمة على مجال التوظيف تحتاج إلى كسب ثقة أكبر من الناس، بل وصناعة هذه الثقة بكل أدوات الشفافية والمصداقية والمساءلة، وتوظيف الإعلام والصحافة لصناعته، خاصة وأن القضية تتعلق بجيل المستقبل ولدى السلطة الجديدة خطة غير مسبوقة محليا، تقدمها لكي تكون في مستوى هذه القضية، لذلك لابد الكل يشارك فيها، والمتأمل فيها، سيجد فيها مبادرات محفزة ومشجعة، ما يجعلنا نصفها بأنها غير تقليدية.
فهي تستهدف توظيف «26» ألف باحث عن عمل في عام واحد وهو 2021، عبر آليتين مهمتين هما: التدريب المقرون بالتشغيل، والإحلال، مع منح المتدرب طوال فترات التدريب منحة مالية حسب المؤهلات، البكالوريوس « 250 » ريالا شهريا، والدبلوم بعد الثانوية العامة « 200 » ريال شهريا والثانوية العامة « 150 » ريالا شهريا ، وأقصى فترة للتدريب سنة، وقد تتراوح « 3، 6، 9 أشهر حسب مدة التدريب» ومن ثم الإحلال محل الوافد في القطاع الحكومي أو تشغيله في القطاع الخاص في وظائف ومهن معتبرة.
وهذا يعني أنه قد تم اعتماد مقاربتين مهمتين للحل المتدرج لقضية الباحثين عن عمل، هما التدريب المقرون بالتشغيل، والتدريب المقرون بالإحلال، فالأساس هنا التدريب القصير الأجل، هاتان مقاربتان عمليتان فعندما يحل العماني محل الوافد في القطاع الحكومي أو الخاص، من الأهمية أن يكون جاهزا مهنيا وفنيا.
وماذا يعني؟
يعني أن هذه المقاربات تحتاج إلى رعاية دائمة من قبل مؤسسات متخصصة، وملاصقة من صناعة القرار، تراعي هذه الولادات الجديدة أولا بأول، وتكون رعايتها مستمرة حتى إلى مرحلة ما بعد الإحلال والتشغيل، حتى تضمن نجاح هذا النوع من التجارب، وتتأكد أن المواطن يشق طريقه دون مضايقات من الوافدين.
وماذا يعني؟
تستوقفنا في تصريحات كبار المسؤولين، مفردة «المهمة» في إشارة للوظائف والمهن التي تقوم عليها عمليتا الإحلال والتدريب المقرون بالتشغيل، وهي – أي المفردة - ترتقي إلى مستوى الوعي الوطني باستدراك تلكم المهن والوظائف التي تم تسويقها في مرحلة سابقة، كالنادل والسائق... الخ ليس عيبا فيها، وإنما أنها لا تنسجم مع الطموحات الوطنية لمستقبل يتغير على مدار الساعة.
ومفردة «مهمة» تعني قطاعات ووزارات محددة، هي الصحة والتعليم والكهرباء والجامعة التقنية، والقطاع العسكري، وهذا الأخير سيستهدف استقطاب «13» ألف وظيفة، أغلبها لتخصصات البكالوريوس.
أما التدريب المقرون بالتشغيل، سيستهدف عدة قطاعات كالنفط والغاز مثلا، والعدد المستهدف «6 » آلاف فرصة عمل، وهناك مبادرات مماثلة لصناعة وتعزيز مشاريع ريادة الأعمال بالتعاون مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك خطة مناطقية لمشاريع «خبرات» وبرامج لتهيئة الشباب كي يكونوا أكثر استعدادا لسوق العمل.. ألخ.
هكذا وجدنا مضامين الخطة الجديدة لتأمين الحق في العمل للباحثين، وقد خصص لها مبلغ وقدره «20 » مليون ريال، لتأمين « 26 » ألف فرصة عمل خلال العام 2021، ومن مضامينها سالفة الذكر، أطلقنا عليها بأنها غير تقليدية محليا، وأن أفكارها من خارج الصندوق الفكري الاعتيادي.
المحور الثاني: الأهم في التنفيذ وليس التنظير.
المبادرات الجديدة طموحة، وتفتح مسارات عمل آمنة، وتحتاج في المقابل لآليات تنفيذ غير تقليدية، من أبرزها، إعلام تسويقي تفاعلي مستقل، ومحترف، يضع المسؤول في معطيات التطبيق، ويصنع الثقة الجماهيرية، ويكون لدى هذا الإعلام، من المهنية والاحترافية والمصداقية والصدقية، ما يجعله فعلا محل ثقة الجماهير عامة والباحثين خاصة.
وهنا، نقترح تشكيل لجنة إعلامية من إعلاميين وصحفيين وكتاب.. متفرغة ومتخصصة للجانب الإعلامي لتسويق الخطة ومتابعة تنفيذها، ومشهود لهم في الساحة الوطنية، وتمنح كامل الصلاحيات في التسويق والترويج وفي الرقابة على مسارات التطبيق، ونقلها للرأي العام، وعرض وجهات النظر المختلفة سواء من الباحثين أو القائمين على التطبيق. ويكون لها برامج إذاعية وتلفزيونية حوارية مع خبراء وكتاب يمكن أن يثروا جانب التطبيق، وكذلك، مساحات في الصحف لمخاطبة الجماهير، ونقل الحقائق من مختلف الأطراف بعقلانية الحل وليس الصراع.
كما نقترح تشكيل لجنة ثلاثية دائمة من وزارة العمل ومجلسي الدولة والشورى، تمثلهما لجنتا التدريب والعمل فيها، وأيضا أعضاء من الاتحاد العام لعمال السلطنة، تشرف على استحقاقات فرص التدريب من اجل الإحلال أو المقرون بالتشغيل.. لدواعي النزاهة والمصداقية والشفافية التي تصنع الثقة، وما أحوجنا لهذه الصناعة الآن، بل هي من الشروط الجوهرية الأساسية لكسب الرضا الاجتماعي لخطة الإحلال والتدريب المقرون بالتشغيل، وبها يمكننا تجاوز إشكاليات كثيرة، قد تصطبغ بها المرحلة المقبلة.
فالمجتمع لا يثق في خيارات الغرف المغلقة أو الخيارات الحصرية للقطاعات والمؤسسات لاختيار المدربين والموظفين. وله مواقف تاريخية سلبية قديمة منها، لذلك لابد من مشاركة مستقلة للقطاعات والوزارات في اختياراتها المعيارية للوظائف والمهن، فترك الشركات والمؤسسات، هي التي تعرض فرص العمل، وهي التي تختار مستحقيها، لن تصنع الثقة والمصداقية التي هي أساس المرحلة الوطنية، والاخذ بعين الاعتبار المواقف الاجتماعية، من دواعي صناعة الثقة.
لقد أحسنت وزارة العمل عندما وفرت « 20 » الف فرصة عمل للعام 2021، وكشفتها للجمهور المستهدف، وتوفير الملايين لتنفيذها، وهذا يستدعي المشاركات المستقلة والمتعددة الأطراف، ولو مشطنا سوق العمل للسنتين المقبلتين، وعرضناها مع فرص العمل للعام 2021، والعمل على استحقاقها عبر آليتي الإحلال والتدريب المقرون بالتشغيل، بالمنح المالية التدريبية سالفة الذكر، لكان ذلك كفيلا بحل شبه جذري لقضية تراكم الباحثين عن عمل.
فاذا كان « 20 » مليون ريال سيؤهل « 26 » ألف باحث لسوق العمل في وظائف ومهن معتبرة ودائمة وآمنة، فمضاعفة المبلغ، يعني مضاعفة العدد المستهدف، وهذا ما تتطلبه المرحلة الوطنية الآن.
ولا يزال الامل معقودا على تشكيل لجنة رفيعة ومتعددة التشكيل لمسح الوظائف الجديدة في قطاعات الموانئ المختلفة والمناطق الصناعية والتجارية والحرة.. والعمل في الوقت نفسه مع وزارة الاقتصاد على توجيه البوصلة الاستثمارية المحلية والأجنبية نحو المشاريع التي تولد فرص عمل للباحثين الجدد، وتنتج في الوقت نفسه سيولة لخزينة الدولة، وهناك استثمارات أجنبية، ستدخل البلاد قريبا، من بينها بريطانية، ينبغي الاتفاق على توجيهها نحو تحقيق مثل هذه الأهداف الاستراتيجية العمانية مقابل المنافع المتعددة الأنواع من بينها الجيواستراتيجية، التي سيجنيها أصحاب هذه الاستثمارات.
وهنا، تأتي أهمية اختيار لجنة العصف الذهني – المقترحة – والتي ينبغي أن تنفتح على كوادر وأطر من خارج الوزارة والوزارات، وتضم كل من يمكنه أن يثري العصف في توظيف كل معطيات المرحلة الوطنية لصالح المواطن والوطن، ومن منظور التسليم بالمصالح والمنافع التي تتقاطع الان داخل بلادنا، لأسباب متعددة سياسية وعسكرية، ولا ضرر في ذلك، وإنما سيكون الضرر الأكبر إذا لم نستفد منها لدعم وتعزيز تنميتنا الوطنية الشاملة.