العمانية: يعدّ التعليم قاطرةَ أيّ دولة نحو التقدم، وهو يتبوأ مكانة لائقة بين المجتمعات، لذا تتوجه الجهود لتطويره، وتتركز الاهتمامات لجعله مواكبًا لمتطلبات العصر.
وفي هذا السياق صدر عن دار الشروق بعمّان كتاب بعنوان «عقول يحاصرها الضباب، أزمة التعليم في المجتمع العربي» للباحث والأكاديمي إبراهيم بدران.
ويرصد الكتاب مشكلات التعليم في الدول العربية على المستويين الكمي والكيفي، في ظل تراجع ترتيب العديد من هذه الدول في المؤشرات الخاصة بقياس تطور النظم التعليمية.
يقول المؤلف الذي كان وزيرًا للتربية والتعليم بالأردن، إن التعليم انتشر في الأقطار العربية بسرعة كبيرة خلال العقود السبعة الماضية، كما تضاعفت أعداد المدرسين والمدارس والمعاهد والجامعات عشرات المرات، فأصبح عدد طلبة المدارس في الوطن العربي 70 مليونًا، وفاق عدد الجامعات 700 جامعة بعد أن كانت أقل من 15، وزاد عدد طلبة الجامعات على 5 ملايين، أما أساتذة التعليم العالي فتجاوز عددهم 100 ألف.
ويستدرك بدران بقوله: «مع هذا، فإن تأثير هذا الكم الكبير من التعليم في إحداث تقدم حقيقي في المجتمع يبدو ضئيلًا للغاية؛ بل تدلّ المؤشرات على تراجع عميق في المجتمعات العربية». ويتساءل: أين يذهب هذا التعليم؟ ولماذا لم يكن محركًا قويًا للتغيير باتجاه الأفضل والأرقى؟ هل هذا بسبب تراجع المدرسة والمعلم؟ أم هناك عوامل وقوى ومؤثرات خارج المدرسة وخارج المعهد والجامعة تحدد مصير التعليم؟
ويتابع تساؤلاته: هذا الانهيار الذي يقع في عدد من الأقطار العربية والاقتتال والحروب الأهلية والاستعانة بالقوى الأجنبية على الوطن نفسه، هل له علاقة بالتعليم؟ وهذا الارتداد إلى الخلف وإعادة توجيه الدفة نحو الماضي في إطار من التطرف والإرهاب، وهذه التراجعات الاقتصادية لماذا لم يعمل التعليم على إيقافها أو إبطائها؟
ويؤكد بدران أن المتأمل في الصورة السياسية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية للأقطار العربية في أعقاب حصولها على الاستقلال وحتى اليوم، يلحظ تراجعًا هائلًا في ذات الإنسان وذات المجتمع وفي بنيان الدولة، على الرغم من مظاهر التقدم والعصرانية التي تمثلها التكنولوجيا المستعملة في كل مكان وكل مجال وهي التكنولوجيا المستوردة من أنحاء المعمورة. فأين التعليم في هذا الخضم؟ وأين العقول المتعلمة التي يُفترض أن تقود مسيرة العمل والإصلاح والارتقاء؟
ويرى أن التعليم الصحيح يمثل أحد أهم المحركات للانطلاق والتغيير على مستوى الفرد والمؤسسة والمجتمع، وقد أصبح عماده الأساسي منظومة متماسكة قوية ومتجددة من العلم والتعلم والتفكير الناقد، وأن التعليم يكتسب أهميته من قدرة المعلم والعالم والمتعلم على التأثير في المجتمع، فإذا غاب هذا التأثير تراجع المجتمع.
ويشير إلى أن أهم ما يميز الدول التي نجحت في تطوير التعليم بشكل جذري، هو قدرتها على بلورة رؤية وطنية، وتوفر إرادة سياسية للتدخل في المجتمع لتغييره تغييرًا جذريًا ومقصودًا وسريعًا، وعدم تركه للتلقائية والتحرك على سجيته.
ويشدد على أن عدم الاكتراث وإغفال أهمية العلم والتعليم، يكشفان عن العجز العربي (ممثلًا بالإدارات المعنية بالموضوع) عن الربط بين العناصر التي تشكل الدعامات الرئيسية لاستقرار الدول، والحفاظ على مسيرة النهوض في العلم والتعليم والاقتصاد، لذا أخفق التعليم في معظم المجتمعات العربية في إحداث التغيير الذي كان متوقعًا، وكان دور المتعلمين في تغيير المجتمع أقل بكثير مما تحقق لدى مجتمعات أخرى كانت على الدرجة نفسها من التخلف أو أدنى منها.
ويبين بدران أن أهم عوامل فشل التعليم في المنطقة العربية يتمثل في غياب الرؤية المجتمعية للتعليم، وعدم ملاحظة أن التعليم هو في جوهره كتلة من العقول الفاعلة، والخيال، بجانب البيئة المجتمعية والسياسية والثقافية الحاضنة، ففي غياب مثل هذه البيئة يضمحل التعليم ويتوارى المتعلم ليصبح فعله وتأثيره شيئًا ثانويًا.