ليلى البلوشية - Ghima333@hotmail.com - «مضحك بالفارسية» كتاب مذكرات من ترجمة المترجمة السورية «بثينة الإبراهيم»، دار مسارات 2016م، سيرة ذاتية تتميّز بخفّة الظل للكاتبة إيرانية «فيروزة دوماس»، يتعرّف القارئ العربي على جانب من جوانب الشخصية الإيرانية المقبلة على الحياة، طالما احتفى الإيرانيون بالحياة ولعل عيد النوروز وهو عيد لا يحتفل به سوى الإيرانيين وحدهم في العالم، هذا العيد الذي هو رمز لخصوبة الحياة في الربيع، على الرغم من الظلامية التي وجد الإيرانيون أنهم دفعوا في عتمتها بعد الثورة الإيرانية، فبعد حياة تسودها الحرية الشخصية في ممارسة الحياة الفردية في بلد كإيران في زمن الشاه وجد الإيرانيون أنفسهم بين ليلة وضحاها وباسم ثورة إسلامية مكبلين بقواعد وقوانين تفتك بهم وبحرياتهم التي اعتادوا عليها كل ذلك باسم الدين ولكنهم مع السنوات اكتشفوا أنهم مجرد دمى يقودها رجال معممون في سبيل مصالحهم السياسية ! في هذه المرحلة الحرجة من سلب الحريات ومحاربة كل نفس يسعى لحياة مستقلة بعيدة عن سلطات الدين وقوانين لا تمت الدين بصلة، وجد كثير من الإيرانيين أن لا سبيل للخلاص سوى مغادرة إيران إلى دول الحريات وكان خيار الكثيرين وقتها أمريكا، بلد الحريات، بلد الذي يفلح دائما في إذابة ثلوج الاختلافات، لعل عائلة «دوماس» تخطت كل هذه المرحلة، فهم رحلوا إلى أمريكا، إلى كاليفورنيا تحديدا قبل الثورة الإيرانية بأعوام، ذهبوا بصفة والدهم مهندسا في الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، والدها «كاظم» الذي أصبح مؤهلا لهذا العمل مع شركة أمريكية لكونه درس في جامعة كاليفورنيا حين كان طالبا جامعيا . عقدة الثورة الإيرانية لم تمس دوماس وأسرتها في بلدهم إيران، فهم كانوا مهاجرين خارجها، لكنها مستهّم كمواطنين إيرانيين في أمريكا، الأرض التي تمتعوا في رعايتها، طوال أعوام إقامتهم، فالثورة الإيرانية أثر على وجودهم في أرض أمريكا حين قام الإيرانيون بقيادة من دعموا الثورة الإيرانية الإسلامية بخطف رهائن أمريكية، هنا وجد الإيرانيون المقيمون في أمريكا أنفسهم في ورطة هم لا شأن لهم بها، تورطوا لمجرد أنهم يحملون جنسيات إيرانية ولكون حكومتهم في بلدهم تعدّت على أفراد من شعب الآخر، فتعطّلت فيها مصالح الشعب الفارسي المقيم في أمريكا، ووجدوا أنفسهم في ورطة كراهية كبيرة يكنّها لهم الأمريكيون، حيث السياسية التي تقود هذا البلد الذي يتماهى كليًّا مع الحريات واختلاف الحضارات، ولكن حين يمسّ فرد من أفراد مواطنيها، فإنها تمارس قمعها على الآخرين بجنون مستبد «بدأ البائعون ببيع الكثير من القمصان والملصقات التي تقول: أيها الإيرانيون، عودوا إلى بلادكم ومطلوب إيرانيين للتدرب على الرماية، تزايدت الجرائم تجاه الإيرانيين، يسمع الناس لكنة أمي الثقيلة فيسألونها من أين أنتم ؟ ولم يكونوا يبحثون عن وصفة ورق العنب المحشو طبعا . أصبح الكثير من الإيرانيين فجأة أتراكا أو روس أو فرنسيين». عدا ذلك، عاشت «دوماس» في ظل أسرتها في أمريكا بحياة رغيدة، تكاد تخلو من عقدة تباين الثقافات بين البلدين، عائلة «فيروزة» تكيّفوا في الأجواء الأمريكية قبل الهجرة إليها، بفضل والدها « كاظم « الرجل الإيراني المكافح والطموح والحالم بالثراء في أرض الفرص، لقد كانوا مبهورين بكل ما هو أمريكي «في بلدنا من يتذوق شيئا قبل شرائه يسمى سارق السلع، لكن هنا يمكن للمرء أن يتذوق شيئا ما دون أن يشتريه، ومع ذلك يتمنى له الموظف نهارا طيبا». هذا الانبهار لم يمنعهم من الفخر لكل ما هو فارسي أيضا «أؤمن أن السلام في الشرق الأوسط يمكن أن يحقق إذا أجرى القادة حواراتهم أمام طبق كبير من الآيس كريم الفارسي، كل قائد يحمل كلعقته الخاصة، وستذوب الاختلافات السياسية مع كل لقمة». لقد خصصت «دوماس» الجزء الأكبر من مذكراتها لوالدها «كاظم»، «كاظم» الثريّ بالحكايات، أمتعها وأغربها، فهو شخصية ودودة، محبّ للمغامرات، رغبته في اكتشاف أمريكا ومجاهلها على الرغم من لكنته الهشّة، لم تمنعه من اختلاط كل ما هو أمريكي والاعتزاز بكونه جزءا من أرض الأحلام غير أنه في الوقت نفسه فارسي متمسك بحب أرضه إيران، هذه التركيبة النادرة، فلحت في صنع شخصية مقبلة على الحياة لذاتها ولمن حولها أيضا، لعل ما يميّز حقا هذه المذكرات التي كتبت بروح الظرافة والدعابة هي أواصر الأسرية، أسرة دوماس، هي مثال لأسرة شرقية متحابة، تسود بينهم أجواء من التآلف سواء حين كانوا معا في إيران أو في أمريكا، فلم تفلح الغربة واختلاف اللغات وتباين العادات والتقاليد وأنماط الثقافة في كسر الترابط القويم الذي عرفت بها أجواؤهم، وقد فلحت «دوماس» بأسلوبها السردي الأخاذ في وصف هذه الصلة مع أقاربها بعبارة فرسية منمّقة: «دون أقاربي لست إلا خيطا، معا نشكل سجادة فارسية متقنة». البلد الذي اشتهر لدى الأمريكيين كلما سألتهم فيروزة دوماس عن بلدها : ماذا تعرفون عن إيران ؟ فيجيبونها بابتسامة مرحة: قططكم والسجاد الفارسي . و تعتلي الدهشة وجه فيروزة ووالدها كاظم، فإيران هي أكثر من قطط بوجوه ناعمة وسجد منمّقة بأيدي نسائها الفاتنات.