صالح العامري -
1-
أحيّي المؤقت، لا لأنه قصير لا طول فيه، ولا لأنه محدود لا أمل له، بل لأنّه يبدو أكثر جمالاً وأكثر فتنة من أية ضراوة زمنية ملفقة أو احتدام ميتافيزيقيّ.
2-
مرحى أيها المؤقت، المتخفف من الأحمال، حتى تكاد أن تكون طيفاً، مرحى أيها البارع في العزف على الآلة الموسيقية المنذورة للزوال.
3-
أنصتُ للحظة المعبأة الموقوتة في الضوء الخافت، كما لو أنني صائغ هوراسيو كيروغا، وقد تلألأت أمامه فصوص الجوهرة، وانكشف النهد، وانغرس الدبوس عمودياً في قلب ماريّا.
4-
أي جبل يمكن أن يعصمك من الطوفان أيها الخالد المترهل الذي يرشح بالوقت الكذاب؟.
5-
ويا أيها الأبدي، أرهفتُ السمع، إلى البرق الذي يتوعدك، في الجهات الستّ، بأن تصيبك لعنة الهرم في ريعان العمر، وأن يكبو بك فرس الأيّام، وأن يسقط وعلك الجبليّ من عليائه إلى الهاوية.
6-
تعلقتُ بالغصن الرفيع بين الأحراش، لا كقرد أو طرزان، بل كقطرة ندى أو نسمة هواء، متنقلاً بين شجرة وأخرى، في غابة الزمان، معرضاً كينونتي للفرح الآفل وللرماد المرتعش في قلب الطائر، صارخاً بولع غامض في البرية: هذا هو الكنز.
7-
عندما أرى أصدقائي يبكون، أشمّ رائحة ضباب الأشياء، موقناً أنهم مؤقتون وخالدون بدون وقت أو أبد.
8-
أيها المؤقت، أيها العابر- عليك أن تلازم صدور الشلالات وترابط عند أقدام النوافير، وأن ترقص رقصتك الأخيرة في أكبادنا بحزمة ريحان ريّان وقصيدة تزفر بالنار.
9-
اختر أن تكون مؤقتاً مثل كمنجة تفتل العشاق وتبذر السر، أو أبدياً مثل سور عظيم يغوي الأعداء ويلبّي موت الحجر.
10-
كنت هناك وأنا أشهد الشعراء يخسرون، والعابرين يمتارون مكيالاتهم الحزينة. كنتُ هناك وأنا أشهد كيف يُصرع الوقتُ الضيقُ ويبقى الزمن العاري. كنتُ هناك، لحظة أو لحظتين، حين كان يدمغني المطلق بالحقيقة الصغيرة، بالجرح الغائر، بالجسر الذي كان يولد مثل ولع خاطف، بزيزان الحصاد التي تشتغل جوقتها الموسيقية في فصل الصيف.
11-
أشكر من أهداني بوصلة لا تعمل، بوصلة جميلة خربة؛ ذلك لأنها لو كانت تعمل لأصبتُ بالجنون، كما أنها في حالتها العاطلة: تحرس ظمأ الوقت وتقيم أود الزمان.
12-
الزمن ملح، فإن فسد فبماذا يملّح إلا بالديدان البيضاء التي تشبهه؟، بالخيوط المسحوقة مثل شاشة أو لوحة بيضاء؟، بالحبيبات المنفجرة في وجه الوقت زهرة أو حناناً صافيين؟، بالغيوم التي تكر كالحلم وتتشكل على هيئة صبيّ يطارد طائرته الورقية قبل أن ينمحي إلى شكل آخر؟.
13-
سافرتُ شهراً واحداً، راكناً في تلك المدة، دراجتي الهوائية على حائط قديم. وحال عودتي، لأنتشل تلك الدراجة من نومها المؤقت، كان دبّورٌ خالد قد ابتنى عشا خاطفاً في سلك مكبحها الأماميّ. قلتُ: «هنيئاً للأعشاش، للدراجات، للهواء، ولقطعة الزمن الموسيقيّة التي تذوب في قلبي».
14-
أيها الومضة التي تخترق الجسد وتشحن الروح نامي في مهدك الصغير، ناغي أباكِ الفقيد وأمّكِ المتبخرة، وانبسي بكلمتك الحلوة المثلومة كما تفعل الشفة الأولى أو الجمرة الأولى.
15-
أيها الزمن المديد، الجامح المتغطرس مثل جرح أو قصيدة، تفتّتْ على صخرة القيامة. أيها المستطيل الذي لا يستقيم في مثلث أو مربّع أو دائرة، تنهبك الآن، مثل أي كاليجولا أو هيرودس، سنابك الخيل الجارفة.
16-
بنطالي مؤقت، أما قميص يوسف فأبديّ. حذائي مؤقت، أما حذاء أمبادوقليس فللبركان الخالد.