بلجراد - بوريس بابيك - (د ب أ): كانوا يعلمون عندما تركوا ديارهم للوصول لأوروبا أن الأمر سوف يكون شاقا. كانوا يعلمون أنهم سوف يتعين عليهم مواجهة الصعاب. لكن معرفة ذلك عند مغادرة الديار شيء، ومواجهة العيش في شتاء أوروبي بدون حماية ملائمة شيء آخر. وفي ضوء التوقعات باستمرار الطقس الشتوي خلال المستقبل القريب، ليس من الواضح كيف سيكون حال المهاجرين العالقين في أنحاء القارة. فبالقرب من بلجراد هناك ما يقرب من 2000 مهاجر محاصرين خارج نظام الإيواء المكتظ بالمهاجرين في صربيا غير قادرين على الاستمرار في التوجه نحو الحدود المغلقة. ليس أمام هؤلاء المهاجرين الآن خيار إلا النجاة من موجة الصقيع المميتة التي تضرب البلقان. وقال الشاب الأفغاني آصيف -18عاما- «الليالي الثلاث الماضية كانت لا تحتمل»، مضيفا «لقد جلسنا متراصين بجانب بعضنا البعض حول النار ومع ذلك كنا نرتجف. ربما نستطيع أن نغفو ساعتين من الزمن. ولكننا نرتجف بقية الوقت». تجمع آصيف وحفنة من الأصدقاء الذين سافر معهم في أحد مستودعات طرق السكك الحديدية المهجورة خلف محطة القطار الرئيسية بالعاصمة الصربية. وتقدر السلطات الصربية أن هناك نحو 1000 إلى 1200 شخص في المستودعات. ولكن منظمات الإغاثة مثل أطباء بلا حدود والمنظمات الخيرية قدرت العدد بنحو 2000 شخص تقريبا. ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن أماكن الإيواء تؤوي نحو 6000 شخص ومكتظة عن آخرها. وقد انخفضت درجات الحرارة في بلجراد إلى سالب 15 الاثنين الماضي. وقال المهاجرون: إن الرياح الشرقية القوية زادت من برودة الأماكن الداخلية الخرسانية. ويؤوي أكبر مبنى إيواء أكبر عدد من المهاجرين، حيث إنه يتمتع بتدفئة جزئية. وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد قامت بتركيب 12 جهاز تدفئة تعمل بالبنزين مزودة بمراوح تطلق الهواء الساخن عبر الأنابيب والنوافذ في محاولة لتجنب بعض البرودة على الأقل. وقال فني: إنها تعمل على رفع درجة الحرارة إلى نحو صفر، طالما لا تهب الرياح الشرقية. ولكن في ظل استمرار برودة الهواء، يبدأ المهاجرون في إشعال النيران لتدفئة أنفسهم، مما يملأ داخل المبنى بالدخان السام. وتفصل قضبان سكك حديدية غير مستخدمة بين المستودعات التي تأوي المهاجرين. ويستخدم الممر بين المستودعات كدورة مياه، حيث تفوح منه رائحة البول والبراز. وهناك مستودعات أخرى تعد أكثر برودة وأقل اكتظاظا بالمهاجرين. ويتم إشعال النيران أساسا على قضبان السكك الحديديةالتي تم معالجتها بمواد كيميائية من أجل جعلها أكثر مقاومة لعوامل الطقس، وينتج عن إشعال النيران رائحة نفاذة. ويحاول المهاجرون تأجيج النيران من خلال إلقاء قطع القماش القديمة والملابس والبلاستيك المهمل على العوارض السميكة المقتطعة من القضبان المهملة، مما يطلق أبخرة أكثر ضررا. وقال الأفغاني كاشيب هان- 18 عاما- «الطقس بارد للغاية، والهواء سيئ للغاية بسبب النيران. نحن نسعل طوال الوقت، ولكننا ليس لدينا مكان آخر لنذهب إليه». وقد سجل هان نفسه لدى السلطات الصربية، ولكن كل ما حصل عليه ورقة تعلمه أنه تم العلم برغبته في طلب اللجوء، وتمهله 72 ساعة للتسجيل للتوجه إلى مخيم في بريسيفو، على بعد 400 كيلومتر نحو الجنوب. وقال هان «لا أريد أن أعود، أريد أن أتوجه للمجر ثم إيطاليا، ولكن لا أستطيع أن أبقى هنا، الأمر فظيع. المهاجرون يصابون بالمرض ولا يأتي أحد لمساعدتهم». ويواجه المهاجرون في بلجراد الآن، وكذلك المتواجدون على طريق البلقان، واقعا صعبا بالمقارنة بالذين جاؤوا عبر صربيا في وقت سابق. في ذلك الوقت، كانت السلطات تساعد في تنظيم النقل السريع والآمن. والآن طريق البلقان مغلق، والمتواجدون في صربيا لديهم أمل ضئيل في التقدم أكثر نحو أوروبا. وقد أصبحت الرحلة أيضا أكثر تكلفة. ويعتمد راغبو الهجرة على مهربي البشر لنقلهم عبر الحدود المغلقة، وتعريضهم للضرر. وقال أمين جاهن- 20عاما- من باكستان «أنا هنا منذ شهرين، وقد أمضيت شهرين قبلهما على الطريق. لقد أنفقت 4000 يورو (4225 دولارا)، والآن عندما أطلب من والدي مالا، لا يعطيني لأنه لم يعد لديه. الآن لا أستطيع أن أتقدم نحو أوروبا ولا أستطيع أن أعود». ويواجه المتواجدون على الطريق الآن خطرا أكبر، حيث إنهم يخاطرون بحياتهم من خلال حشر أنفسهم داخل سيارات وحافلات مهربي البشر في رحلة متهورة من حدود لأخرى. ولكن في الوقت الحالي يعتبر الطقس هو أسوأ خطر. وربما يكون الأشخاص الذين يتجمدون في بلجراد هم المحظوظين. ففي بلغاريا تأكد وفاة ثلاثة مهاجرين على الأقل- امرأة صومالية واثنان من العراقيين- ضحايا للتجمد.