مواقع التواصل الاجتماعي تثير الصراع بين الثقافات عندما يتم تداولها بطرق عشوائية -
ضرورة إدراج المادة السياسية بالمناهج وتثقيف الناشئة بكيفية الحوار السياسي الصحيح -
اســــــــتطلاع :نوف بنت حميد الهنائية - وصفاء بنت حمدان الحراصية -
يعتبر الإعلام السياسي الظاهرة الإعلامية الأبرز في عالمنا اليوم، كونه استطاع أن يستقطب شريحة كبيرة من فئات المجتمع، وخاصة الشباب باعتبارهم الأكثر تأثيرا في المجتمع بما يحملونه من طاقات فكرية متجددة. ومع كل ذلك يوجد على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير ممن احترفوا التحليل وإثارة الجدل في القضايا السياسية متجاوزين محدودية حقائق الأحداث السياسية ومتجاهلين وجود مصادر ثانوية لها، ولذلك أصبح اليوم من الصعب الفصل بين السياسة ومواقع الإعلام التفاعلي، حيث تعتبر المحرك الأساسي والمسيطر البناء في الأحداث الجارية، وتحولت من كونها مواقع للتسلية وتبادل الأحاديث الجانبية إلى مواقع تلامس القضايا السياسية والأحداث النشطة حول العالم..
وللحديث أكثر عن مثل هذه الحوارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي التقينا عددا من المهتمين والمختصين ، حيث يقول سعادة الشيخ علي بن ناصر المحروقي أمين عام مجلس الشورى إن هناك حراكا كبيرا في هذا الجانب من خلال المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة حيث يخوض هذا المجال شتى الفئات العمرية بالإضافة الى أن مثل هذه الحوارات السياسية تفتقر لمختصين يعالجون النقاشات العالقة.
بينما أعرب الدكتور صالح بن محمد الفهدي - شاعر ومفكر وباحث ومؤسس مركز قيم ومهتم بالقضايا السياسية - بأن الحوارات السياسية يطغى عليها الانفعال وكل طرفٍ يدعي الحق، في الوقت الذي يغيبُ فيه الحق والحقيقة معا.
وقال مازن بن ناصر الهدابي- شاعر ومهندس كهرباء وحاسب آلي واتصالات وله رأي سياسي - ان كل حوار سياسي يتم عبر الإعلام التفاعلي يأخذ حيزا أكبر من حجمه الواقعي. وأضاف خلفان بن سعيد العامري إعلامي ومذيع بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ومقدم سابق لبرنامج طرف ثالث على منصة اليوتيوب المختص بعرض قضايا سياسية داخلية قائلا: «ازدادت الحوارات السياسية في مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، ولكن أرى بأنها تبتعد أحيانًا عن الواقع وذلك لكثرة انتشار الشائعات، بالإضافة لقلة خبرة المحاورين في الأمور السياسية.
في حين أشار ماجد بن حمد المحروقي - خريج صحافة من كلية العلوم التطبيقية بنزوى وله رأي اجتماعي وسياسي- بأن الحوارات على مواقع التواصل الاجتماعي تتسم بالعاطفية أكثر والانحيازية بدون النظر إلى الحقائق؛ أي أن المجتمع عموما لا ينتقد الفكرة وإنما الشخوص، وهذا ما يفقد الحوارات فائدتها المعرفية وتجعل المتابع مشتتا ولا يفهم ما الذي يحصل بالضبط.
وألمحت صفاء بنت علي الفهدية ـ خريجة إعلام رقمي ـ وإحدى المهتمات بالحوار السياسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي قائلة ان الحوارات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي تثير الصراع بين الثقافات عندما يتم تداولها بطرق عشوائية.
واعتبرت مريم بنت جمعة النعيمية - طالبة صحافة في كلية العلوم التطبيقية بنزوى - أن الحوار في السياسة دون توفر المعلومات والحقائق كمن يسدد على هدف متحرك في الظلام، إذ إن عشوائية الخوض في النقاشات السياسية يقود دائما إلى فقد حقيقة الحدث.
حرص السلطنة على الأخذ بمبدأ الشورى منذ زمن بعيد ما هو إلا دلالة على الأهمية الكبيرة لهذا المبدأ المتأصل في الشعب العماني. حيث يعتبر من أولى درجات المشاركة السياسية للفرد في شؤون المجتمع، ونجد أن مشاركة الشورى أخذت تطورا في أهمية مشاركتها مع ظهور الإعلام التفاعلي الجديد وهذا ما أشار إليه أمين عام مجلس الشورى حيث أكد أن مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير في ترسيخ الانتخابات والمشاركة في أذهان المجتمع العماني المستخدم للإعلام التفاعلي، إذ تمكن المترشح من عرض سيرته الذاتية وإنجازاته السابقة لأكبر شريحة على مواقع التواصل الاجتماعي. وأضاف الشيخ علي المحروقي في حديث آخر بأن للإعلام التفاعلي فضلا في تعزيز الجانب الانتخابي وهذا ما سعت إليه وزارة الداخلية وسخرته في هذا الجانب من خلال موقعها الذي مثل طفرة في تسهيل الإجراءات وتقديم الخدمات المتعلقة بالانتخابات بكل يسر وسهولة، كما تقوم بتحديث موقعها الرسمي بشكل مستمر لتسهيل العملية الانتخابية. وفي الجانب المقابل أشار المحروقي إلى النهج السلبي الذي يسلكه البعض في الحوارات السياسية عبر الإعلام التفاعلي موضحا بأن كل شائعة سياسية على مواقع التواصل اليوم قد تؤدي إلى زعزعة الثقة والتماسك لدى أفراد كل مجتمع.
من جهته أوضح صالح الفهدي بأن الثقافة السائدة ينقصها فهم طريقة الحوار مع الآخر حيث انها بعيدةٌ عن حقيقة الحدث في أروقة السياسة وجراء ذلك قد تفقد مسارها الصحيح بينما لا أرى للشائعات السياسية على مواقع التواصل تأثير قوي يتطلب التدخل والعلاج لأن المبادئ التي قامت عليها الوحدة العمانية راسخة وقوية واللحمة بين مكونات الشعب متماسكة بل ومتناغمة مع الأهداف الوطنية السامية. موضحا بأن للوعي دوره الإيجابي في تقويم الكثير من الاتجاهات والتصورات لهذا فإن انعدامه سيكون سبباً لإشعال الفتنة وعدم فهم عواقب الأمور جراء اشتعال العنصرية. وأضاف الفهدي بأن غياب التصريحات الرسمية للأخبار الغائبة غالبا يعود لسياسة متبعة في عدم الرد، ولكن عدم الرد بدوره ينتج عنه الشكوك التي تملأ فراغ الصمت لتتشكل على هيئة شائعات واستنتاجات خاطئة. كما تحدث عن دور المؤسسات التربوية بالسلطنة حيث يقول: لها دور لا ينكر لأنها إن أنشأت جيلاً متسامحاً مع فكر الآخر، متقبلاً مع وجهة النظر المخالفة، ممتلكاً أدوات الحوار الفاعل، جيلاً ناقدًا، متعقلاً غير منفعل فإنه سينشأ واعياً في كل المجالات الحياتية ومنها السياسية.
ومن جانبه قال خلفان العامري: إن مواقع التواصل بها كثير من عامة الناس الذين يتحدثون في القضايا السياسية وهم غير مؤهلين لذلك، وقد تكون الكثير من الأخبار المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي غير صحيحة، ناهيك عن ابتعاد بعضهم عن آداب الحوار الصحيح. كما أن قلة الوعي بالثقافة السياسية خلقت بعض الحساسيات بين مستخدمي مواقع التواصل، وذلك ربما يعود إلى اختلاف الآراء واختلاف مستويات ثقافة الحوار بين المستخدمين من شتى الشعوب. وتحدث العامري عن دور المؤسسات الإعلامية بالسلطنة في القضاء على الشائعات مشيرا إلى أن الإعلام العماني التقليدي ساهم عن طريق التصريحات الرسمية التي ينقلها من الجهات المختصة، في إيقاف انتشار أي شائعة تصدر من خارج أو داخل السلطنة. مبينا بأن للمؤسسات التربوية في السلطنة دورا في تنشئة جيل مثقف سياسيا من خلال توعية الأجيال بضرورة عدم الدخول في حوارات سياسية خارجية، والابتعاد عن الحوارات الطائفية، والتمسك بالمبادئ والقيم الوطنية، بالإضافة لذلك توعيتهم بالابتعاد عن مصادر الأخبار غير الموثوقة والشائعات، والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي في الجوانب الإيجابية واستخدامها الاستخدام الصحيح.
فيما أكد ماجد المحروقي بأن الحوارات السياسية الخاطئة والشائعات العالقة على مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير مباشر وغير مباشر على المجتمع العماني في زعزعة هويتهم الوطنية وهو ما يؤثر سلبا على وعيهم السياسي الصحيح في ظل الأوضاع الراهنة بالعالم العربي. وأضاف: ان الحوارات المتعلقة بالسياسة دائما ما يشوبها بعض الانحياز، والشخصنة غير المبررة بدون تقييم الفكرة، أعتقد أن مجتمعاتنا عموما تعاني من نقص في الوعي بكيفية الحوار السياسي الصحيح. أي أنه من الطبيعي جدا اثارة العنصرية عند مناقشة القضايا السياسية لأن مستخدمي مواقع التواصل من مختلف شرائح المجتمع، وهذا التباين يفرض واقعا فوضويا بين أروقة الإعلام الجديد. كما أن الإعلام العماني ساهم في تخفيف حدة التأثير الذي تسببه الشائعات المغرضة برد شاف، وفي بعض الحالات يتم التأخر في صدور التصريحات الرسمية وهو ما يجعل الشائعات مثيرة للجدل في الأوساط المحلية والعالمية. وأشار المحروقي إلى أن المؤسسات التربوية تساهم في الرقي بالفكر الإنساني على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى السياسية.
وتحدث المحروقي لافتا بأنه لا يمكن قياس صناعة الوعي السياسي وذلك لأنها عملية تتم بطريقة تكاملية بين الأسرة والمجتمع والإعلام والمدرسة والجامعة، وإن قلنا إن هناك تخبطا في المناهج التدريسية والتربوية فهو صحيح على الأقل على الصعيد الداخلي وفي مخرجات التعليم عموما.
وتؤكد صفاء الفهدية من جهتها بأن للإعلام العماني التقليدي الدور الأكبر في نفي الشائعات التي تثير البلبلة لدى عامة الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك من خلال نشر تصريحات رسمية سواء على الإعلام المرئي أو المقروء. وأشارت إلى الأهمية القصوى لإدراج المادة السياسية بالمناهج التعليمية بما فيها المدرسية والجامعية وتثقيف الناشئة بكيفية الحوار السياسي الصحيح. وركزت الفهدية على ضرورة ﻗﻴﺎﻡ الجامعات والكليات بتنفيذ برامج توعوية تدريبية ﻟﻠﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﻲ تكمن في تطوير مهارات الحوار السياسي الجيّد وتقبّل الآخر.
بينما يقول مازن الهدابي: إن طغيان الجانب التأثيري من قبل المجندين في مواقع التواصل الاجتماعي وهم أولئك الذين ينتمون إلى جهات رسمية حيث انهم لا يمثلون ذاتهم بل الجهة التابعين لها أحدث تأثيرا على حرية إبداء الرأي من قبل الأفراد الآخرين، وفي الجانب المقابل أرى بأن العالم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي لم يصل بعد إلى درجة كبيرة في التأثير على زعزعة الهوية العمانية، بل هناك تأثير وقتي كإثارة رأي عام ضد قضية معينة فقط. وأوضح الهدابي بأن طبيعة الشعب العماني شعب متسامح فكريا ويحترم الثقافات الأخرى بدون التدخل في شؤون وخصوصيات الشعوب الأخرى لذلك لا أجد للعنصرية مكانا خلال خوضهم للنقاشات السياسية مع الثقافات الأخرى في مواقع التواصل المختلفة. وشدد على ضرورة الاهتمام بزيادة التخصصات المتعلقة بالعلوم السياسية بالسلطنة موضحا بأن ذلك سوف يساعد على بناء جيل مثقف سياسيا واجتماعيا وملما بكيفية الحوار السياسي الصحيح على العالم الافتراضي والواقعي بالإضافة إلى دوره في خلق قادة متمكنين فكريا وسياسيا.
ومن جانبها قالت مريم النعيمية: إن وجود حسابات رسمية للجهات الإعلامية على تويتر والفيس بوك ساهم في توفير مساحة إلكترونية تتيح لمستخدمي مواقع التواصل التفاعل والاستفسار المباشر في حال تفشي أي شائعة. وأوضحت بأن الأوضاع السياسية المتوترة بالعالم العربي تتطلب التثقيف بكيفية التفاعل مع الحوارات السياسية على مواقع الإعلام التفاعلي. كما أن هناك ضرورة قصوى لتشجيع الشباب العماني على إجراء دراسات وبحوث علمية تتعلق بالوعي السياسي الصحيح لدى الشباب العماني.